أثرياؤنا والعصامية المفقودة

سلمان الدوسري

ثلثا أكبر 400 ثري أميركي من العصاميين الذين بنوا إمبراطوريات ضخمة من لاشيء، بل إن نحو 19٪ فقط من قائمة أثرى الأثرياء في أميركا ورثوا ثرواتهم بالكامل، وفقاً لقائمة فوربس الأخيرة. مايهمنا هنا أن غالبية هؤلاء الأثرياء لم تأتهم عشرات المليارات على طبق من ألماس، بل صنعوها من الصفر، من بيل غيتس متصدر القائمة بـ57 مليار دولار وحتى آخر المنضمين للقائمة مارك زوكر برغ ذي الـ24 عاماً مؤسس شبكة الفيس بوك، وبينهم العشرات، وتحديداً أكثر من 280 ثرياً، جميعهم صنعوا ملياراتهم بالحفر في الصخر.

غير أن نظرة سريعة لأثرى الأثرياء العرب نجد أن غالبيتهم من بيوت وعائلات تجارية ورثت هذه الثروات ولم تصنعها. اللافت أن قصص النجاح والعصامية مفقودة في عالمنا العربي، إلاّ ما ندر. قصص النجاح قليلة في هذا السياق، وبالرغم من حجم الأموال الهائلة التي تزخر بها المنطقة، وتدفق لا نظير له من السيولة، إلا أن السمة الغالبة للأثرياء وكبار رجال الأعمال، تشير إلى عدم ظهور أثرياء جدد صنعتهم الطفرة، الأثرياء السابقون زادوا ثراءً، وحتى أولئك القلة كانوا من نتاج مصادفة أسواق الأسهم، وهؤلاء سقطوا سريعاً كما صعدوا، والأزمة المالية الحالية خير شاهد.

صحيح أياً كانت نوعية هؤلاء الأثرياء فإن كثيراً منهم في النهاية، للأسف، لا يخدمون إلاّ أنفسهم وثرواتهم، فيما أوطانهم ومجتمعاتهم بعيدة كل البعد عن تلك المليارات! غير أن نضوب المجتمع من شباب أعمال عصاميين يضعون بصماتهم في طريق المال والأعمال، يثير تساؤلات عدة عن اختلافنا عن بقية المجتمعات، التي يجاهد أبناؤها، وبناتها، في طريق العصامية، قبل أن ينالوا حظهم من الثروة، بدلاً من الاعتماد الكلي على الميراث.. فقط.

كم نحن في حاجة لقصص نجاح غير مسبوقة ندفع بها إلى شبابنا، مثل تجربة جمعة الماجد وسليمان العليان، وقلة قليلة، فيرتفع سقف طموحاتهم، إلى الابتكار وليس إلى التقليد. الأثرياء العصاميون، إذا صحت التسمية، ظهروا بأفكار خلاقة، وابتكارات غير مسبوقة، ابتعدوا عن التقليد والمسايرة، وفجروا طاقات مكبوتة، فدلفوا عالم الثروة من أوسع أبوابه، دون الحاجة لمساعدة هذا أو ذاك.

الدكتور توماس ستانلي أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك، أشار في دراسة سابقة له، عن أثرياء أميركا، الى أن 90٪ من بليونيرات الولايات المتحدة درسوا في المدارس العامة، و75٪ منهم بلغوا الثراء بعد الـ30 من العمر، و86٪ بدأوا بأقل من 10 آلاف دولار، و20٪ بدأوا من الصفر تماماً، بينما 50٪ لم يدخلوا الجامعة لعدم قدرتهم على دفع المصاريف.

من هو العصامي؟ مراجع اللغة العربية تقول إنها تطلق على كل من ينجح ويصل إلى مراتب عالية بجده واجتهاده ولا يعتمد في ذلك على غيره من عشيرة أو قبيلة أو حتى إرث، فأين هؤلاء من أثريائنا؟ انظروا حولكم وستعلمون أنهم مفقودون.. أو شبه مفقودين.

تويتر