الزيادة السكانية و«التباهي في العزائم» وراء استمرار معدل الإسراف

10 مليارات درهم كلفة هدر الطعام.. 30% منها في رمضان

صورة

أكد مختصون أن مبادرات وقيم «عام الاستدامة» أسهمت بشكل كبير في مكافحة ظاهرة هدر الطعام، التي يمارسها بعض فئات المجتمع، ومازالت حسب الإحصاءات تتجاوز قيمتها نحو 10 مليارات درهم سنوياً، 30% منها في رمضان، ويستمر هذا المعدل بسبب زيادة سكان الدولة، واستمرار التباهي في العزائم والأفراح.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن الهدر والإسراف في الطعام يعود في جذوره إلى صفة حميدة وهي «الجود والكرم»، إلا أن كثيراً من أفراد المجتمع انحرفوا عنها بغرض التباهي والوجاهة الاجتماعية، لتنتج عنها أطنان من الأغذية المهدرة، يذهب الكثير منها إلى مكبات النفايات.

وقالت رئيس لجنة تسيير الأعمال لبنك الإمارات للطعام، منال بن يعروف، إن «بنك الطعام» وضع ضمن أولوياته مكافحة ظاهرة هدر الطعام، من خلال التعاون مع المبادرة الوطنية للحد من هدر الغذاء «نعمة»، حيث تم إطلاق مبادرة تهدف إلى نشر الوعي المجتمعي، وتثقيف وتمكين أفراد المجتمع من اتخاذ قرارات أفضل بشأن استهلاك الغذاء، وتغيير السلوكيات الحالية المتعلقة بفقد الطعام.

وأضافت: «تعد مبادرات البنك خلال شهر رمضان انعكاساً لغايته السامية كمنظومة إنسانية تعلي من قيمة إطعام الطعام، وتجسيداً حقيقياً لقيم الإنسانية والخير والعطاء في دولة الإمارات، ورؤيتها لتحقيق الاستدامة في المجالات كافة».

وذكرت أن بنك الطعام يسعى عبر نشاطاته ومبادراته إلى نشر هذه القيم وترسيخها عالمياً، من خلال رؤيته ورسالته في تخطيط وضمان إدارة فائض الطعام، وتسليمه للمستفيدين محلياً وعالمياً، والحد من هدره.

وأشارت إلى أن المبادرة تعزز جهود التعاون لتسهيل واستلام الطعام من المطاعم والفنادق ومتعهّدي الطعام وقطاع الضيافة، وإعادة توجيه الفائض منه إلى الفئات المحتاجة، والإسهام بالتوعية المجتمعية وأهمية التبرع بالفائض من الطعام لإعادة توزيعها أو إعادة تدوير المخلفات الغذائية.

وتعد الحملات التوعوية جزءاً من المسؤولية المجتمعية لبنك الإمارات للطعام، التي يهدف من خلالها إلى تعريف أفراد المجتمع بمبادراته، ورفع الوعي المجتمعي بأهمية إدارة فائض الطعام والحد من هدره، وتعزيز ثقافة استدامة الطعام والثقافة الاستهلاكية لدى الأفراد، وتشجيعهم على التطوع مع البنك للمساعدة في تنفيذ أعماله، وإيصال الغذاء إلى مستحقيه.

ولفتت بن يعروف إلى أن بنك الإمارات للطعام حقق نتائج مميزة خلال العام الماضي، حيث وصلت كمية الأغذية التي استُلمت إلى أكثر من 11 مليون وجبة، جرى توزيعها في الإمارات وخارجها على أكثر من 11 مليون فرد، ونجح البنك في استغلال كمية فائض طعام بما يقارب 10 ملايين وجبة، وعقد 31 اتفاقية شراكة جديدة.

وتمكن البنك من تعزيز المسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي، بعد أن وصل عدد المتطوعين في مبادراته إلى 1079 متطوعاً. فيما بلغ عدد الشركاء المساهمين 18 جمعية خيرية، و163 متبرعاً، إضافةً إلى تنفيذ 1080 زيارة تفتيشية على 45 ثلاجة، وتنفيذ 52 برنامجاً وورشة.

من جهته، أكد مدير عام مشروع حفظ النعمة في هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، سلطان الشحي، أن مفاهيم ومبادرات «عام الاستدامة»، أسهمت بشكل كبير في تراجع نسب الهدر منذ بداية العام الجاري، متوقعاً أن ينعكس «كوب 28» أيضاً على تعزيز ثقافة الاستهلاك والحد من الهدر، لتتراجع هذه المعدلات إلى أدنى مستوياتها بنهاية العام الجاري.

وقال الشحي إن «حجم الهدر والإسراف في الطعام، سنوياً، بالدولة مازال يتجاوز الـ10 مليارات درهم، نحو 30% منها في شهر رمضان فقط»، موضحاً أن بقاء هذه النسبة عند هذا الحد يعود بشكل أساسي إلى الزيادة السكانية التي تشهدها الدولة عاماً بعد عام، مشدداً على «ضرورة انتقال أفراد المجتمع إلى ثقافة التدبير، بدلاً من التبذير».

وأكد أن غياب الثقافة المجتمعية بشأن الاستهلاك الأمثل للطعام هو العائق والسبب الأكبر وراء ارتفاع نسبة الهدر، وتقليص هذه النسبة إلى الحد الأدنى يبدأ بتغيير هذه الثقافة، وغرس قيم حفظ النعمة.

وشدد على ضرورة تحلي الأسر والأفراد بالسلوكيات الحضارية، والتعاليم الإسلامية المتعلقة بالحد من ثقافة الهدر وعدم الإسراف، مشيراً إلى أن مشروع حفظ النعمة بدأ قبل ست سنوات بتنفيذ خطة توعوية تثقيفية لعلاج هذه الظاهرة، من خلال مبادرة سفير حفظ النعمة، التي شملت الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة على مستوى الدولة.

وذكر أن مشروع حفظ النعمة قام ضمن مبادراته لعام الاستدامة بمكافحة هدر الطعام في المجتمع من خلال عدد من برامج التوعية، والمبادرات التي تنفذ مع عدد من الشركاء، إضافة إلى ورش تثقيفية توعوية أسهت بشكل كبير في التقليل من الاستهلاك الجائر للطعام.

ولفت إلى أن جهود مكافحة ظاهرة الإسراف والهدر، أيضاً، شملت المناهج الدراسية، من خلال التنسيق مع وزارة التربية والتعليم، لتضمينها في المناهج الدراسية، بهدف ترسيخ ثقافة الحفاظ على النعمة في أذهان الأطفال منذ الصغر. وذكر أن هيئة الهلال الأحمر الإماراتي تعمل، من خلال برنامج أنماط الحياة الإيجابية، وبرنامج سلامة البيئة، على تعزيز السلوك الاسترشادي، والتوعية بمخاطر الأمراض التي قد تنتج عن اتباع أساليب غذائية سلبية، قد تكون ناتجة عن الإسراف والمبالغة في الغذاء.

وأوضح الشحي أن هيئة الهلال الأحمر، متمثلة في مشروع حفظ النعمة، تطبق إجراءات جديدة، لتحقيق الاستفادة القصوى من كميات الطعام المهدرة، تقوم على شقين: الأول من خلال إعادة تدوير متبقيات الطعام لتذهب إلى الأسر الفقيرة والمتعففة، كما هو مطبق بالفعل منذ سنوات، فيما يتمثل الشق الثاني، وهو المبتكر، في أن يستفاد من الأغذية غير الصالحة للاستخدام في صناعة أسمدة للنباتات وطعام للحيوانات.

بدوره، أفاد أستاذ علم الاجتماع التطبيقي في جامعة الشارقة، الأستاذ الدكتور أحمد فلاح العموش، أن ظاهرة الإسراف والهدر تعود في أصولها إلى صفة الكرم والجود التي يتميز بها المجتمع العربي على مر التاريخ، إلا أنه مع مرور الوقت انحرفت هذه الصفة عن أصلها ومعناها.

وأوضح العموش أن المبالغة في التباهي والاستعراض لدى بعض الأسر يدفعهم إلى إعداد ولائم وعزائم تفوق في كميتها عدد الأشخاص المعزومين عليها بعشرات المرات، من باب الوجاهة الاجتماعية، والرغبة في لفت الأنظار إليها، ليكن مصير معظمها في النهاية مكبات النفايات.

وشدد على ضرورة مكافحة الظاهرة بتعزيز الوعي المجتمعي لدى كل أفراد المجتمع، من خلال التربية والتعليم، والمبادرات والبرامج التوعوية التي تركز على أهمية الترشيد، ومكافحة الهدر والمبالغة في ولائهم الأفراح والمناسبات، والتميز بين بين معاني الكرم والإسراف.

الحداد: الإسراف والهدر من بطر النعم وينبغي مراعاة المحرومين

أكد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي، الدكتور أحمد الحداد، أن الإسراف والهدر في الطعام من بطر النعم، ويجب أن تراعي هذه الفئة الفقراء والمحرومين بفوائض طعامها من باب شكر النعمة. وقال إن الطعام نعمة من نعم الله تعالى، منّ به سبحانه وتعالى على بعض عباده، فبينما نرى هناك أناساً محرومين من أقل القليل منه، فعلى من منّ الله تعالى عليه بشيء من طيبات الرزق أن يشكر الله تعالى عليه، فلا يسرف فيه ولا يبذر، فقد نهى الله تعالى عن ذلك، فقال سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، فهذه الآية جامعة لما يجب على الإنسان أن يتعامل فيه مع طعامه وشرابه، حيث أباحت الأكل والشرب من غير إسراف، والإسراف هو مجاوزة الحد في ما يحتاجه الإنسان، فيزيد عن حاجته، ثم لا ينتفع به في نفسه ولا غيره، وهذا من بطر النعم، وعدم شكر الله تعالى عليها، فعلى الذين منّ الله عليهم بوفرة الطعام والشراب أن يفيضوا بما زاد عن حاجتهم لمن يستحق ذلك من فقراء الناس، لاسيما القريبين منهم، فإنهم يتطلعون إلى أطايب الطعام، ولهم نفوس تواقة كغيرهم، وقبل أن يفيض الطعام على الموائد فتكدس الأطباق والصحون ولا يؤخذ منها إلا النزر القليل، كما في بعض الموائد في رمضان - ينبغي أن يقتصد في ذلك بقدر حاجة الآكلين، فإن زاد شيء من ذلك يتعين أن يحفظ في آنية صالحة للتوزيع ثم يوزع على المحتاجين.

ومما يحمد ذكره في بلدنا المبارك هذا وجود بنك للطعام، يحفظ فيه الطعام الزائد ويوزع على الفقراء، فهذا من شكر النعمة الذي يكون سبباً لحفظ النعم، كما قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، فالشكر قيد للنعم، واستزادة منها، فهو قيد للموجود وصيد للمفقود. أستاذ علم اجتماع: «هدر الطعام انحراف وتحريف لقيمة الجود والكرم». مختصون: «مبادرات وقيم عام الاستدامة أسهمت في تراجع الهدر مقارنة بالأعوام السابقة».

تويتر