5 دقائق

القدوة..

خلال مشورانا الطويل في رعاية الموهوبين، صادفت مواقف لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة، لأنها تجسد قيمة القدوة وأهميتها في المجتمعات، ولعل أهم هذه المواقف على الإطلاق، لطالبين يتمتعان بموهبة استثنائية، أحدهما في الـ14 من عمره، والآخر في الـ15، وتمنيا لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وتمنينا ذلك أيضاً حتى يعطيهما شرف لقائه دفعة قوية لمستقبل واعد.

وعُرض الأمر بالفعل على سموه، مع اقتراح بقدومهما إلى القصر للقائه، لكنه فاجأنا جميعاً بقول، لا يأتيان إلي بل سأذهب أنا إليهما احتراماً للعلم وتقديراً للموهبة، وحضر بنفسه وأعطاهما الوقت الكافي للاستماع إليهما ومناقشتهما، وهكذا ضرب سموه أروع الأمثال في تقدير قيمة هذه الفئة التي تنهض بها المجتمعات.

وفي المقابل، نجد معلماً أو مدير مدرسة يتقاعس، ولا يبالي حين يخبره أحدهم بأن لديه طالباً موهوباً في المدرسة، فيتذرع بانشغاله، على الرغم من أن المدرسة تمثل حاضنة رئيسة لرعاية الموهوبين في سن مبكرة، ويمكن أن تكون قاعدة انطلاق لنجاح مبهر في المستقبل أو تقضي على موهبته.

ففي المدرسة نستطيع تحديد نوع الموهبة، وتوفير المراجع والدعم، إذ يجب أن يكون هناك مرشد كبير يدلهم على الطريق، ويوفر لهم النصح والدعم، والكتب التي يحتاجون إليها، فالاكتشاف المبكر عامل أساسي في استمرار النجاح وتطور الموهبة.

ولا أقصد بالمرشد هنا شخصاً يساعده أو يوجهه عكس إرادته أو نقاط تفوقه، لكنه عامل مساعد يكتشف ويوفر الدعم والإرشاد.

وأعود مجدداً إلى دور الأسرة، إذ رصدنا من السلبيات وجود نظرة غير إيجابية من جانب بعض الآباء، الذين يعتقدون أن الموهوب عبارة عن طفل انطوائي منعدم الشخصية، يلبس نظارة سميكة العدسات، وذلك بسبب تأثرهم بالصورة النمطية التي تقدمها السينما والدراما للطفل، أو الإنسان المثقف، وهذا أمر سيء للغاية.

فالموهوب لا يمتّ من قريب أو بعيد لهذه الشخصية، بل على النقيض من ذلك فإنه يحتاج إلى تقدير الذات، وإقرار من الجميع بأهمية دوره في المجتمع، فكلما شعر بأن له وزناً واعتباراً حصل على حافز إضافي للتقدم وتحقيق المزيد.

ومن الضروري أن يلتزم الآباء بضبط ألسنتهم ولغتهم مع أبنائهم، فالبعض في حالة عصبية يوجهون لأبنائهم مسبات مثل «أنت غبي»، وهذا تصرف بالغ السوء، فإذا كان الأب أو الأم، وهما الأقرب إلى الابن، يحكمان عليه بالغباء، فماذا تنتظر منه؟

الإجابة أن حكمهما باتّ بالنسبة إليه، ولا يمكن أن يتوقع ثقة الآخرين وتقديرهم إذا كان يتعرض للتحقير قي منزله، لذا أرجوكم حافظوا على سلوكياتهم في المنزل، وإياكم والإساءة للطفل في أي وقت وتحت أي ظرف، لأن تأثير الكلمة السيئة يكون عميقاً في نفسه، ويعيش معه بقية حياته.

عضو مجلس إدارة جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين مدرب التنمية البشرية والعلاقات الأسرية

تويتر