3 محطات بانتظار «الهايبرلوب».. ارتفاع الكلفة والمخــاطــر البيئية والتـشريعات

صورة

تردد، في السنوات الأخيرة، حديث خبراء ومختصين في قطاع النقل والمواصلات، عن صنع وسيلة نقل جديدة، تفوق سرعتها سرعة الصوت، تعرف باسم الهايبرلوب، ويمكن تشبيهها بقطار فائق السرعة، لكنه صديق للبيئة، إذ لا يستخدم في تشغيله الوقود، وتالياً لن يبث أي انبعاثات كربونية.

ويعدّ تطوير ورفع كفاءة قطاع النقل والمواصلات من أهم الأهداف الاستراتيجية التي تتطلع إليها الدول المتقدمة، إذ يمثل هذا القطاع إحدى القاطرات الرئيسة للمضي ببناء دعائم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إلا أن العمل على بناء قطاع مستدام للنقل والمواصلات لايزال محفوفاً بتحديات كثيرة، أبرزها الكلفة المرتفعة والمخاطر البيئية، وإصدار التشريعات المطلوبة، فضلاً عن إمكان توفير وسائل نقل تتحقق فيها أعلى معايير السلامة.

وفي وقت تؤكد فيه التقارير والأبحاث أن الطريق أمام الشركات المطورة لايزال طويلاً نحو النجاح في إنشاء خطوط ومحطات للهايبرلوب، يتم استخدامها أسوة بالقطارات وبدلاً منها، أعلنت شركة «فيرجن هايبرلوب وان» أنها قاب قوسين أو أدنى من البدء بإنشاء مسار للتشغيل التجريبي لنظام الهايبرلوب يصل بين مدينتين في الهند، خلال العام 2019.

وفي إجابتها عن سؤال لـ«الإمارات اليوم»، حول تفاصيل مشروع إنشاء خط لنقل الركاب في الإمارات، وتفاصيل تنفيذه، أكدت الشركة مواصلة العمل على إنشاء المشروع في الإمارات، متوقعة إحراز تقدم نحو تنفيذ المشروع في منتصف عقد 2020.

وكانت شركة «فيرجين هايبرلوب وان» الأميركية، أعلنت في سبتمبر الماضي، افتتاح مكتب رسمي لها في دبي، وجاء الإعلان بعد نحو ستة أشهر من الكشف عن تنفيذ مشروع أو نظام جديد يحمل اسم «موانئ دبي العالميّة كارغوسبيد»، سيتمكن من نقل البضائع إلى أيّ مكانٍ حول العالم في غضون 48 ساعة، وسينقل الناس بسرعةٍ تقارب سرعة الرحلات الجويّة، لكن بأسعار النقل البري، وذلك وفقاً لما أكده الرئيس التنفيذيّ لشركة «موانئ دبي العالميّة» سلطان أحمد بن سليّم، خلال المؤتمر الصحافي الذي كشف عن المشروع. وتعد مؤسسة موانئ دبي العالمية أحد أهم الشركاء والمستثمرين لشركة «فيرجين هايبرلوب وان» في الإمارات.

شركة «فيرجين هايبرلوب وان» أكدت أن بيئة دولة الإمارات تعتبر بيئة مناسبة وملاءمة لنظام الهايبرلوب، الذي تعمل الشركة على تطويره حالياً.

وقال مدير فرع الشركة في الإمارات أمجد المخللاتي، لـ«الإمارات اليوم»، إن التضاريس الجغرافية للإمارات تتسم بالامتداد والانبساط لمسافات كبيرة، تصل بين مناطقها ومدنها، الأمر الذي يمثل بيئة مناسبة تماماً لإنشاء البنية التحتية لخطوط وأنابيب الهايبرلوب. وأضاف أن الإمارات لديها ميزة مهمة، هي أن بيئتها التشريعية مشجّعة ومحفزة للخروج بنظام لترخيص التشغيل التجاري لهذا النوع من وسائل النقل، حيث تحرص قيادة الدولة على وضع النظم واتخاذ الإجراءات التي تشجع المؤسسات الحكومية والخاصة على الابتكار والريادة في الأعمال، وإنشاء المشروعات.

وفي إجابة عن سؤال عن معايير السلامة المتوافرة في نظام الهايبرلوب، أكد المخللاتي أن لدى الشركة الكثير من العمل خلال السنوات المقبلة، للتمكن من إثبات سلامة وفعالية أنظمتها التشغيلية، إلا أنها تطمح إلى أن تتمكن في منتصف عقد 2020 من وضع حجر أساس في المشروع الذي سيخدم أنظمة نقل الركاب والبضائع.

واعتبر أن إمكان تحقيق هذا الهدف يعتمد على مدى سرعة إنجاز إعداد وإقرار التشريعات المطلوبة لوضع تلك الأنظمة في الخدمة، مؤكداً أن هناك تفاعلاً وموافقات وردوداً إيجابية من الحكومات على مستوى العالم، بما فيها الإمارات، في ما يتعلق بإصدار الموافقات والتشريعات المطلوبة.

وأفاد المخللاتي بأن التكنولوجيا التي تستخدمها الشركة يمكن البناء عليها، وأنها متصلة مباشرة بالميل الأخير، أي بمواقع الوجهة الأخيرة للركاب، ولذلك يمكن ربطها بسهولة ببقية وسائل المواصلات العامة في إمارة دبي ودولة الإمارات.

وأكد أن الشركة تتطلع إلى ربط خطوط النظام بمحطات المواصلات العامة الأخرى، ووحدات التنقل الذاتي، وكذلك للبنية التحتية للمواصلات المتوافرة في المطارات، مؤكداً أن نجاح الشركة في إنشاء خطوط الهايبرلوب سيدعم خطة إمارة دبي الاستراتيجية، بتحويل 25% من الرحلات المقطوعة إلى رحلات تنقل ذاتي القيادة بحلول 2030.

قطار نظيف

ولتعريف فكرة عمل نظام الهايبرلوب بشكل مبسط، يمكن القول إن شكله الخارجي يشبه كبسولة تطلق كرصاصة داخل أنبوب مفرغ من الهواء، تصل فيه درجة الجاذبية الأرضية إلى أدنى مستوياتها، لتتحرك الكبسولة بداخله بفعل قوة دفع كهرومغناطيسية، تستطيع حملها للانتقال من نقطة إلى أخرى بسرعة تصل إلى 1700 كيلومتر في الساعة.

وتندفع الكبسولة بسرعات عالية على وسادة هوائية مضغوطة، لا تحتك بجدران الأنبوب، بفعل حقل مغناطيسي يولده مولد كهربائي، يستمد قوته من الطاقة الشمسية. وتحمل كل كبسولة اثنين أو أكثر من بطاريات الليثيوم آيون، بغرض ضمان وصول الكبسولة إلى وجهتها. ويمكن ربط الهايبرلوب بين المراكز السكنية الرئيسة في العالم، برحلات تستغرق وقتاً أقل، حيث يمكن الانتقال بين الولايات المتحدة والصين في رحلة تستغرق ساعتين فقط.

فكرة وتصميم الهايبرلوب أطلقهما المهندس الأميركي إيلون ماسك، الذي توقع بناء الأنبوب الواحد بنحو 10% من كلفة القطار فائق السرعة، وربع كلفة الطرق البرية الممهدة.

الجدوى الاقتصادية

تجارب الشركات المطورة والأبحاث والتقارير تشير إلى أن تكاليف الإنشاء مرتفعة جداً، وقد تنعكس في قيمة التذاكر، حيث أشار إيلون ماسك، إلى أن كلفة إنشاء خط للهايبرلوب بين مدينتي لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو، البالغ طولها 350 ميلاً، ستراوح بين 6 و7.5 مليارات دولار، وأن ذلك سيرشح سعر تذكرة الانتقال بين المدينتين لتتجاوز الـ20 دولاراً في الاتجاه الواحد.

الخبراء والباحثون الاقتصاديون يؤكدون أن تقييم الجدوى من تنفيذ أي مشروع، سواء كان خدمياً أو استثمارياً، مرتبط بشكل أساسي بالكلفة المادية لإنشاء المشروع.

وقال أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة الإمارات، الدكتور أسامة سويدان، لـ«الإمارات اليوم»، إن الجدوى من العمل على إنشاء هذا النوع من وسائل النقل يتعلق بالكلفة والعائد المالي التي تعد عنصراً مهماً جداً ومؤثراً في كل القطاعات الاقتصادية الأخرى، وليس فقط في قطاع النقل والمواصلات، لأن أرباح الشركات هي إيرادات ناقص كلفة.

أما على صعيد المستهلك، فأكد سويدان أن المشروع ممكن أن يحقق قفزة نوعية في عدد من المجالات الحياتية، بشرط أن تقدم الخدمة بكلفة أقل من كلفة وسائل النقل الحالية، وأن يكون سعر الكلفة مناسباً للعملاء والركاب المستخدمين لخدمة النقل، وبالتالي يتم اعتماده من قبلهم كوسيلة نقل يومية ستعمل على تخفيف كثير من الأعباء عليهم، لاسيما الاستفادة من الوقت، والتخلص من الأضرار النفسية والصحية الناتجة عن الازدحام المروري، نتيجة قيادة مركباتهم الخاصة في الانتقال من وإلى العمل.

وأفاد سويدان بأن المشروع يمكن أن يعود بالفائدة المادية على كل الشركات المشغلة لوسائل النقل، بما فيها شركات نقل البضائع والوثائق، لأنه سيقلص المصروفات عبر اختصار الجهد والوقت.

وأشار إلى فوائد اقتصادية أخرى، نتيجة تخفيف الضغط عن الشوارع الرئيسة، لأن اعتماد نظام الهايبرلوب كوسيلة للنقل، سيقلل عدد المركبات التي تستخدم يومياً، لاسيما على الطرقات التي تشهد ازدحاماً وكثافة. وتابع أنه حين يكون هذا النوع من المواصلات متاحاً بين الناس، فإن ذلك سيخفف الضغط عن استهلاك الطرق، وتكاليف صيانتها، ما سيخفف الأعباء المالية عن الدولة.

واعتبر سويدان أن من الآثار الإيجابية لاعتماد النظام أنه من الممكن أن يؤثر أيضاً في توزيع أفضل للقوى العاملة والكفاءات والخبرات التخصصية على مستوى البلد الواحد، نتيجة تمكن العاملين من التحرك بكل سهولة وبسرعة، وبالتالي سينعكس ذلك في انحسار ملحوظ في الفوارق في معدلات الأجور، ما سيؤدي إلى ارتفاعها.

ورأى سويدان أن تطبيق المشروع يمكن أن يثمر نتائج إيجابية في بعض المجتمعات، التي تجد فيها المرأة صعوبة في الخروج للعمل، نتيجة ضيق الوقت، وضعف الإمكانات اللوجستية الخاصة، مثل النقل والوصول إلى مراكز توافر فرص العمل، الأمر الذي سينعكس في زيادة عدد الإناث المنخرطات في سوق العمل، وما سيتبع ذلك من آثار إيجابية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

كما تطرق سويدان إلى بعض النتائج السلبية، التي يمكن أن تنتج في قطاع تجارة السيارات على سبيل المثال، إذ يمكن أن تنخفض مبيعات السيارات، سواء الجديدة أو المستعملة، نظراً لاعتماد مستخدمي الطرق وسيلة نقل سريعة واقتصادية، واستغناء الكثير من الناس عن مركباتهم.

العوائق التقنية

يشير خبراء في مجال الفيزياء والهندسة، إلى أن الفكرة التي يقوم عليها عمل الهايبرلوب ممكنة التطبيق على امتداد مسارات تبلغ مسافاتها عشرات الكيلومترات، إلا أن الواقع العملي لتطبيقها على بعد مئات الكيلومترات يمثل تحدياً يحتاج إلى سيناريوهات، لمقابلة عدد من العوامل المتعلقة بإمكان تفريغ الهواء داخل الأنبوب في خطوط مستقيمة لمسافات طويلة.

ويشير باحثون إلى أن هناك عشرات من الكيلوغرامات من الضغط الجوي المحيط التي تهدد بالاصطدام بأي غرفة مفرغة من الهواء، مثل الكبسولة التي سيسير فيها القطار.

ويحذرون من أن اختراق أي عنصر لكبسولة القطار المفرغة من الهواء، والمقاومة لكمّ هائل من الضغط الخارجي، قد يكسرها كورقة كرتون، بسبب دخول الهواء الخارجي إلى داخلها.

الأثر الصحي

بعض التقارير التي استندت إلى رأي الخبراء، أكدت ضرورة العمل على نظام انطلاق وتوقف للكبسولة، يكون سلساً وتدريجياً وغير صادم لحركة الأجسام البشرية عند انتقالها من لحظات السكون إلى التحرك بسرعة تصل إلى 1700 كيلومتر في الساعة.

ولفتت إلى أن تعرض الأجسام البشرية إلى مقدار من السرعة الدافعة بسرعة تعادل سرعة الصوت وخلال ثوان ممكن أن يؤدي إلى أضرار بالغة على الأجهزة الداخلية للجسم.

إلا أن شركة «فيرجن هايبرلوب وان» في إجابتها عن سؤال حول ملاءمة الهايبرلوب من الناحية الصحية للأشخاص الذين يعانون أمراض القلب، أو بالنسبة إلى كبار السن، أكدت أن ركوب الهايبرلوب لا يختلف كثيراً عن ركوب الطائرة، وبالتالي فلا يمثل أي تهديد على صحة الركاب.


شراكة استراتيجية

أعلن في أبريل الماضي توقيع شركة «هايبرلوب ترانسبورتيشن تكنولوجيز»، اتفاقية شراكة استراتيجية مع الدار العقارية، لبدء الأعمال الإنشائية في مشروع نظام «هايبرلوب»، ومركز الابتكار «إكس أو سكوير» الخاص بالشركة، و«مركز زوار هايبرلوب» في أبوظبي.

وكشفت الشركة خلال الإعلان عن الاتفاقية، عن عزمها إنشاء الخط الخاص بالنظام على مراحل عدة، انطلاقاً من مسافة 10 كيلومترات كمرحلة أولية، مع عزمها على تنفيذ المزيد من مشروعات التطوير، التي تهدف إلى إنشاء شبكة «هايبرلوب» تجارية، تغطي أنحاء الدولة وخارجها.

وسيلة نقل معروفة

ما إمكان أن ينضم الهايبرلوب إلى الوسائل التقليدية الأخرى، المستخدمة حالياً في نقل الركاب والبضائع، سواء في الإمارات أو على مستوى العالم؟ وهل يعرف أفراد الجمهور ما الهايبرلوب؟ وهل يتطلعون إلى استخدامه يوماً ما، وهل هناك جدوى اقتصادية من إنشاء خطوط له وهل يمكن أن تنجز التشريعات المطلوبة لتشغيله في وقت وجيز؟ وهل يمكن أن يكون وسيلة نقل مريحة صحياً ونفسياً، لا سيما للأشخاص الذين يعانون أمراضاً خطرة، أو بالنسبة إلى كبار السنّ؟ والأهم.. هل هو وسيلة آمنة لنقل ملايين البشر عبر المدن يومياً؟

«الامارات اليوم» بدأت البحث عن أجوبة باستطلاع أجرته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجه سؤالاً إلى أفراد الجمهور، لمعرفة ما إذا كانوا يعلمون ما الهايبرلوب، ليتضح أن النسبة الأعلى تعرف عنه، إذ أتت إجابة 79% منهم أنه وسيلة نقل فائقة السرعة، مقابل 17% لا يعلمون ما هو، واعتقاد 4% منهم أنه طائرة نفاثة.

وأجاب 70% منهم بأن مشروع إنشاء خطوط للهايبرلوب في الإمارات قابل للتطبيق، فيما أكد 14% أن تطبيقه ممكن بعد إصدار التشريعات، مقابل 16% وجدوا أنه مشروع غير قابل للتطبيق في الإمارات.

وأكد 44% منهم أنها وسيلة آمنة، مقابل 35% وجدوا أنها لن تكون كذلك إلا بعد تشغيلها لسنوات عدة، بينما وجد 21% أنها ليست وسيلة نقل آمنة.

تويتر