العلاقات بين الصين والإمارات مرشحة لمزيد من التقدم لما يملكه البلدان من إمكانات اقتصادية كبيرة

مكاسب ضخمة للتعاون التجـاري الصيني - العربي في إطار مبادرة «الحـزام والطريــق»

صورة

في ضوء الصعوبات الاقتصادية التي يشهدها المجتمع الدولي، والمتغيرات المجتمعية التي تشهدها المنطقة العربية، يمر الاقتصاد في كل من الصين والدول العربية بمرحلة دقيقة للغاية، تتطلب تضافر الجهود، وتعزيز التعاون، للتغلب على المخاطر الخارجية، وتحقيق المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة، ما يعود بالفائدة على الطرفين الصيني والعربي، ويحسن معيشة شعوبهما.

بفضل الجهود والمساعي الحثيثة للطرفين، حقق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية مكاسب وفيرة على مدى السنوات الماضية.

ومنذ تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي في الصين عام 1978، أولت الحكومة الصينية اهتماماً متزايداً بالتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية، ثم وضعت سلسلة من السياسات والتوجهات التي تناسب الأوضاع الجديدة في التعاملات مع الدول العربية، واقترحت الصين منذ عام 2004 حزمة مبادئ لإقامة علاقة شراكة جديدة بين الصين والدول العربية، ودخل التعاون التجاري الثنائي في عام 2010 مرحلة التدفقات.

وفي الآونة الأخيرة، حققت العلاقات التجارية الثنائية نقلة نوعية، مع وجود العديد من الفرص الواعدة لمواصلة تعزيز التعاون الاستثماري والاقتصادي المشترك، لاسيما أن العالم العربي بات يحتل حالياً المرتبة السابعة في قائمة أبرز الشركاء التجاريين للصين، فيما أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية.

وعلى الرغم من التحديات المزدوجة الناجمة عن الأزمة المالية العالمية والتغيرات الكبيرة التي طرأت على منطقة العالم العربي، إلا أن التجارة الصينية - العربية تواصل نموها القوي.


بعد عام من انعقاد منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، نشر مركز الدولة للمعلومات التابع للجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح تقريراً حول التعاون التجاري بين الصين والدول على طول «الحزام والطريق» - تشمل حالياً 71 دولة - في عام 2017، حيث كشف أن تعاون الصين مع الدول العربية يبرز بشكل واضح بين جميع البلدان الأخرى في هذا الإطار، ويتقدم ويتطور بخطوات واسعة مع إحرازه نتائج مثمرة.

منطقة غرب آسيا، التي يشكل عدد الدول العربية

ثلثيها، تشهد نمواً مطرداً في التعاون التجاري مع

الصين، حيث بلغ حجم الصادرات والواردات بين الصين

ودول المنطقة 233.24 مليار دولار في عام 2017،

بزيادة نسبتها 14.3%.


العلاقات بين الإمارات والصين مرشحة لمزيد

من التقدم، بفعل القوى التي يمتلكها البلدان،

ودورهما المتنامي على الساحتين الإقليمية

والعالمية، الناجم عن القوة الاقتصادية التي تتمتع

بها دولة الإمارات، وموقعها الإقليمي والعالمي

الذي اكتسبته، ليس بفعل العامل الجغرافي وحده،

وإنما بفعل القوة الناعمة التي امتلكتها خلال

الـ44 عاماً الماضية.

واستناداً إلى بيانات ضخمة، ذكر التقرير أن إجمالي حجم التجارة بين الصين والدول على طول «الحزام والطريق» في عام 2017 بلغ 1.44 تريليون دولار، بزيادة نسبتها 13.4% مقارنة بعام 2016، وهو ما يشكل نحو 36.2% من حجم تجارة الصين في العام الماضي.

وكان من بين الدول الـ71 المشاركة في مبادرة «الحزام والطريق» الصينية 14 دولة عربية مذكورة في التقرير، تضم جميع البلدان العربية الـ12 في قارة آسيا، وكذا مصر والمغرب في قارة إفريقيا، وشهد التعاون التجاري بين الجانبين الصيني والعربي حصاداً وفيراً ليحتل مرتبة متقدمة.

بداية، تم إدراج السعودية ضمن قائمة أكبر 10 دول من حيث حجم الصادرات والواردات مع الصين، حيث وصل إجمالي هذا الحجم في عام 2017 إلى 50.04 مليار دولار، لتحتل السعودية المركز الـ10، وهي الدولة الوحيدة التي لا تجاور الصين براً وبحراً من بين الدول الـ10 الواقعة بشكل رئيس في جنوب شرق آسيا.

ومن حيث حجم الصادرات الصينية إلى هذه الدول، أدرجت الإمارات ضمن قائمة أكبر 10 دول في هذا المجال، حيث وصل حجم الصادرات الصينية إليها خلال العام الماضي إلى 28.74 مليار دولار، لتحتل الإمارات، وهي الدولة الوحيدة غير المجاورة للصين براً وبحراً من بين هذه الدول الواقعة بشكل رئيس في جنوب شرق آسيا، المركز الـ10 في القائمة.

أما بالنسبة لحجم الواردات الصينية، فتحتل السعودية المركز السادس من بين الدول الـ71 المذكورة في التقرير مع بلوغ إجمالي هذا الحجم في العام الماضي نحو 31.74 مليار دولار، بزيادة نسبتها 34.4% مقارنة بعام 2016.

وعلاوة على ذلك، تم إدراج اليمن ومصر ضمن قائمة أكبر الدول الخمس نمواً في حجم الواردات الصينية، إضافة إلى تيمور الشرقية والمالديف والجبل الأسود، وقد بلغت نسبة نمو حجم الواردات الصينية من اليمن نحو ثلاثة أضعاف (300%) فيما وصلت بالنسبة لمصر إلى أكثر من ضعف (100%) مع دخول عدد كبير من المنتجات الزراعية المصرية إلى السوق الصينية في العام الماضي.

وذكر التقرير أيضاً أن منطقة غرب آسيا، التي يشكل عدد الدول العربية ثلثيها، تشهد نمواً مطرداً في التعاون التجاري مع الصين، حيث بلغ حجم الصادرات والواردات بين الصين ودول المنطقة 233.24 مليار دولار في عام 2017، بزيادة نسبتها 14.3%، ما يجعل منطقة غرب آسيا ثانية أكبر المناطق من حيث حجم التجارة مع الصين، بعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وتضرب علاقات الصداقة بين دولة الإمارات والصين جذورها في أعماق التاريخ، إذ بدأ التبادل التجاري بين البلدين منذ القرن السابع الميلادي، وأخذت هذه العلاقات بعدها في الثالث من ديسمبر 1971، أي بعد يومين على قيام دولة الإمارات، إذ بعث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، برقية إلى شو ان لاي، رئيس مجلس الدولة الصيني، يبلغه فيها بقيام الدولة، ورد شو ان لاي ببرقية تهنئة إلى الشيخ زايد، يؤكد فيها اعتراف الصين بدولة الإمارات.

وشهدت العلاقات بين دولة الإمارات والصين تطوراً مستمراً منذ بدايتها رسمياً مع تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في نوفمبر عام 1984.

ولا شك أن العلاقات بين البلدين مرشحة لمزيد من التقدم، بفعل القوى التي يمتلكها البلدان، ودورهما المتنامي على الساحتين الإقليمية والعالمية، الناجم عن القوة الاقتصادية التي تتمتع بها دولة الإمارات، وموقعها الإقليمي والعالمي الذي اكتسبته، ليس بفعل العامل الجغرافي وحده، وإنما بفعل القوة الناعمة التي امتلكتها خلال 44 عاماً الماضية التي مضت على قيام الاتحاد، والإنجازات التي حققتها خلال هذه الفترة، حتى باتت تحتل الكثير من المواقع الأولى على الصعيدين الإقليمي والعالمي في المؤشرات الاقتصادية والتنافسية على الصعيد العالمي.

في المقابل، باتت الصين اليوم ثاني أكبر اقتصاد عالمي، ومرشحة خلال السنوات المقبلة لتكون في المركز الأول، ليس بفعل القوة السكانية، وإنما بفعل معدلات النمو القوية التي حققتها خلال السنوات الماضية، ومرشحة لتحقيقها في الفترة المقبلة، بفعل قوتها المالية والسكانية وتجاربها المتراكمة.

تأثير إيجابي

ولذلك، فإن تلاقي الإمارات والصين ستكون له تأثيرات إيجابية كبيرة في مسيرة البلدين على المستوى الاقتصادي والسياسي، ومستوى التعاون بين البلدين، خصوصاً أن قيادتي البلدين تدركان أهمية التعاون بين البلدين الصديقين، بما يمتلكانه من عناصر القوة الذاتية لكل منهما، وبما حققته مسيرة التعاون المشترك بينهما، الذي تعود بداياته الفعلية إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والصين.

واتسمت العلاقات بين دولة الإمارات والصين بالتعاون والتنسيق على المستويين الثنائي والإقليمي والدولي تجاه معظم القضايا، من خلال الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين في 17 نوفمبر عام 2012 بمبادرة من سفارة الدولة ببكين، لتكون اتفاقية شراكة استراتيجية واضحة البنود ومحددة المعالم، تنضوي تحت مظلتها كل تفاصيل العلاقات الثنائية بين البلدين، وبذل المزيد من الجهود لتحقيق أفضل النتائج في إطار الزيارات القيادية المتبادلة عالية المستوى، التي تشكل حجر الزاوية لتنسيق المواقف وتكامل الأدوار بين الدول في سعيها إلى تحقيق مصالحها الفعلية.

وظلت الصين تدعو إلى حل سلمي لقضية جزر الإمارات الثلاث المحتلة من قبل إيران «طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى»، استناداً لقرارات الأمم المتحدة. ويؤكد الجانب الصيني على ضرورة تسوية قضية الجزر الثلاث بالطرق السلمية وفقاً لقواعد القانون الدولي.

توافق

وتتفق الصين مع دولة الإمارات في موقفها ودعوتها المجتمع الدولي للتعاون في مكافحة الإرهاب، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وغيرهما من القواعد المعترف بها عالمياً التي تحكم العلاقات الدولية، والقيام بدور قيادي وتنسيقي في الحملة الدولية ضد الإرهاب، واعتماد نهج شامل يعالج ظواهر الإرهاب وأسبابه الجذرية في آن واحد، لإزالة الأرض الخصبة للإرهاب من خلال استخدام مختلف الوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية. كما تتفق دولة الإمارات والصين بشأن إيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية، يقوم على حل الدولتين على أساس حدود 1967، والمدرج في خطة السلام العربي، بهدف تعزيز السلم والاستقرار الدائم في المنطقة.

وترتبط الإمارات والصين بـ36 اتفاقية تعاون مشترك، وجارٍ العمل على تطوير الشراكة الاستراتيجية إلى مستوى أشمل، إذ يعمل الجانبان على إنشاء الصندوق السيادي الاستثماري المشترك بين الإمارات والصين، تحضيراً للإعلان رسمياً عن إنشائه بين البلدين خلال الفترة المقبلة.

وتقود عملية التعاون الاقتصادي بين البلدين لجنة مشتركة، بهدف توسيع التعاون في المجالات المالية والمصرفية والتدريب وتبادل المعلومات، والاستفادة من مزايا كل دولة وإمكاناتها المتاحة،وفي قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والتمويل والاستثمار والترويج والخدمات، لتحقيق أهداف الاستراتيجية الشاملة للتجارة الثنائية والتعاون الاقتصادي بين الدولتين، لاسيما بعد انضمام دولة الإمارات للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كعضو مؤسس وفاعل، واستعداد الإمارات لاستضافة المقر الإقليمي للبنك في أبوظبي. ويعمل الجانبان على تعزيز التعاون في مجال الفضاء وتخزين النفط الإماراتي في الصين، وتفعيل الاتفاقيات في المجالات المختلفة، كالنفط والطاقة النووية، ومجالات السكك الحديدية فائقة السرعة، والبنية التحتية، والتمويل، وزيادة القطاعات المصرفية، وتبادل العملات وتكنولوجيا الفضاء، خصوصاً أن للدولتين مستقبلاً واعداً للتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة.

صناعة النفط

وشهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطوراً مهماً، إذ منحت شركة أبوظبي للعمليات البترولية البرية المحدودة (أدكو) في 20 مايو 2015 عقد الهندسة والتوريد والإنشاء لتطوير حقل «مندر» للشركة الصينية للإنشاءات الهندسية البترولية، لتكون الصين قد دخلت فعلياً في صناعة النفط في دولة الإمارات رسمياً، وقد بلغت قيمة العقد 334 مليون دولار أميركي. ويشمل العقد تشييد محطات تجميع النفط وخطوط أنابيب النفط وخطوط نقل الطاقة الكهربائية وشبكات الصرف الصحي.

حقل «مندر»

يتميز مشروع تطوير حقل «مندر» بأهمية استراتيجية، إذ تبلغ قدرته الإنتاجية نحو 200 ألف برميل يومياً، الأمر الذي سيساعد في زيادة إنتاج النفط الخام اليومي في «أدكو» من 1.6 مليون برميل يومياً إلى 1.8 مليون برميل يومياً بحلول عام 2017.

وتعززت العلاقات بين البلدين في حقل الصناعة النفطية بتوقيع شركة «الحفر الوطنية» عقوداً بقيمة ملياري درهم (543 مليون دولار أميركي) لتملك 14 حفارة جديدة، من بينها 12 حفارة سيتم تصنيعها في الصين.

تعزيز الثقة

في خطوة لافتة على تعزيز التعاون والثقة بين الاقتصادين في الإمارات والصين، قرع «بنك الصين ـ فرع أبوظبي» جرس التداول في بورصة ناسداك دبي في الأول من يوليو 2015، احتفالاً بإدراجه سندات بقيمة ملياري رينمينبي (322 مليون دولار أميركي).

وقرع الجرس مدير عام بنك الصين فرع أبوظبي، تيان جون، بحضور محافظ مركز دبي المالي العالمي رئيس مجلس إدارة سوق دبي المالي، عيسى كاظم.

ويؤكد هذا الإدراج نجاح البورصة في جذب الأوراق المالية من جهات الإصدار الصينية والدولية الأخرى، الباحثة عن إدراج يتميز بالحضور القوي في منطقة الشرق الأوسط. وسيستخدم بنك الصين رأس المال المتحصل عليه لدعم التجارة عبر الحدود، وأنشطة البنية التحتية التي تربط المناطق المختلفة من العالم في إطار استراتيجية الصين «حزام واحد وطريق واحد».

تويتر