أحب الناس فبادلوه حباً بحب

يوسف الحسن: زايـد جسّد أرقى نماذج «القوة النءـاعمة»

صورة

أكد الكاتب والدبلوماسي السابق، الدكتور يوسف الحسن، أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان سبّاقاً بتطبيق ما يعرف في السياسة بـ«القوة الناعمة»، فهذا المصطلح لم يتم تداوله إلا في التسعينات، في حين قدم الشيخ زايد أدق وأرقى أنواع هذه القوة، وكان بذاته «قوة ناعمة» للدولة، بفضل ما اتسم به من ممارسة فطرية للإنسانية، وما قام به من أدوار رجل الخير والسلام والقيم، مشيراً إلى أن دبلوماسية زايد أثمرت محبة وتقديراً له وللإمارات لايزالان مستمرين إلى الآن، ليس لدى المسؤول المطلع على خبايا الأمور فقط، وإنما تجدها أيضاً في الشارع ولدى شعوب الدول المختلفة التي لمست محبة هذا القائد، مضيفاً: «لا يستطيع شخص مهما بلغت سطوته وقوته أن يكسب محبة الناس من قبل أن يحبهم، فإذا أحبهم بادلوه حباً بحب».

• «كان التواضع من أبرز صفات الشيخ زايد، فالثروة والسلطة لم تغيره، وبقي على تواضعه، وكان حديثه إلى الناس لا يعرف التقعر والفلسفة، كما كان حديثه للصحافة ووسائل الإعلام تلقائياً ومعبراً عن كل معاني الخير ومحبة الإنسان».

• «لا نستطيع أن نقدر قيمة ما تم إنجازه في هذا الوطن الذي يعد واحة وسط حرائق كبيرة، إلا إذا عدنا وتمعنا في كيفية نجاح هذه التجربة، وكيف تأسست قبل 46 عاماً».

الدواء لمن يحتاجه

قال الكاتب والدبلوماسي السابق، الدكتور يوسف الحسن، إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان يقدم الدعم المالي للقريب والبعيد من الدول المتضررة والمحتاجة، ولم يقصر ذلك على الدول المسلمة فقط، ولم يكن في حساباته التمييز بين دولة مسلمة وغيرها، وهذا الأمر انعكس خلال موقفه في منتصف التسعينات أثناء حرب البوسنة والهرسك، فقد كانت الإمارات تقدم معونات طبية لمسلمي البوسنة، وجاء أحد المستشارين يهمس في أذن زايد بأنه يخشى أن تقع هذه المعونات في يد الصرب أعداء المسلمين، لأنها تقدم عبر الصليب الأحمر السويسري الدولي، فأجابه الشيخ زايد بأنه «لا داعي للقلق، فالصليب الأحمر مثل الهلال الأحمر الإماراتي، كلهم أهل خير، وأنه يقدم الدواء لمن يحتاجه».

وأوضح الحسن أنه في وقت لاحق، ومن خلال إدارته لأول معهد دبلوماسي في الدولة وأثناء بحثه في القانون الدولي الإنساني، وجد أن موقف الشيخ زايد يقع في صلب القانون الدولي الإنساني الذي لا يعرفه الكثيرون حتى من المحامين ورجال القضاء، على الرغم من أن الشيخ زايد لم يتلق علومه في جامعة أو من كتب متخصصة في القانون الدولي، إلا أن فطرته الإنسانية التي كان يتمتع بها قادته إلى ذلك.

رسالة وطنية

قال الكاتب والدبلوماسي السابق، الدكتور يوسف الحسن، إن «العمل الدبلوماسي في بداياته شهد العديد من الأزمات سواء العربية أو الدولية، بداية من تشكيك البعض في إمكانية قيام دولة الإمارات في تلك الأوضاع الصعبة سياسياً واقتصادياً، أو التشكيك في استمرارية الاتحاد، إلى جانب التهديدات الخارجية وغير ذلك، ولكن نجحت الإمارات في الإبحار بين كل هذه العواصف وتجاوزها».

ولفت إلى أن الرعيل الأول من الدبلوماسيين لم يكن يتجاوز عددهم 15 جامعياً، ولم يكن أي منهم تلقى الإعداد الكافي للعمل الدبلوماسي، ما تطلب جهوداً كبيرة لإعدادهم ووضع السياسات العامة للدبلوماسية الإماراتية.

وأضاف: «بعض الشباب حالياً يعتقد أن العمل الدبلوماسي رحلات وسفر وسيارات عليها أعلام ترفرف، لكن بالنسبة للجيل السابق كان العمل الدبلوماسي رسالة وطنية تبدأ من الصباح حتى صباح اليوم التالي».

الاحتفاء بالقائد

أفاد الكاتب والدبلوماسي السابق، الدكتور يوسف الحسن، بأن الاحتفاء بالقائد والمؤسس في «عام زايد»، وما تمتع به من رؤى ثاقبة وقيم نبيلة وصفات استثنائية، يقدم دروساً مهمة للجيل الجديد الذي يعيش الآن في بحبوحة ورخاء وفي أمن واستقرار، ولم يعش التجربة العميقة التي قاد فيها الشيخ زايد شعبه لبناء الدولة.

وأوضح الحسن الذي عمل في السلك الدبلوماسي للدولة منذ عام 1972، ومثّل الإمارات في العديد من المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية، واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغيرها، في حواره مع «الإمارات اليوم»، أن محبة الناس للشيخ زايد، رحمه الله، تعود إلى ما تميز به من صفات متعددة من أبرزها التواضع، فالثروة والسلطة لم تغيره، وبقي على تواضعه، وكان حديثه إلى الناس لا يعرف التقعر والفلسفة، كما كان حديثه للصحافة ووسائل الإعلام تلقائياً ومعبراً عن كل معاني الخير ومحبة الإنسان، كذلك تمتع زايد بصفتين مهمتين هما الشجاعة والحكمة، وهما صفتان إذا اجتمعتا في شخص فقد أوتي خيراً كثيراً.

توجيهات زايد

ويستعيد الحسن ذكريات أول لقاء له مع المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الذي كان في عام 1972 مع بداية مسيرته في العمل الدبلوماسي، موضحاً أن اللقاء كان مباشراً في مجلس صغير، وقدم خلاله زايد توجيهاته في العمل السياسي، أبرزها الانفتاح والوسطية والتعاون مع المجتمع الدولي، والتحلي بالأخلاق والعمل الدؤوب، وكذلك الحرص على التعلم من الآخرين، حيث كان العمل الدبلوماسي الإماراتي في ذلك الوقت لايزال في المرحلة الأولى، ولم تكن هناك تجربة سابقة في الدبلوماسية، أو الحكم الحديث ولا في العلاقات الدولية.

وتابع: «كان علينا أن نبدأ بفتح أبواب ومنافذ جديدة لكسب الاعتراف الدولي بهذه الدولة الناشئة، وهي تجربة ليست سهلة ولكن بتوفيق من الله وبدعم كامل من القيادة، وبفضل الرؤية الواضحة والمستنيرة التي كانت لدى الشيخ زايد، وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن، وهي الرؤية التي تم تحقيقها من خلال وزير الخارجية في ذلك الوقت أحمد خليفة السويدي، وجيل من الرعيل الأول من الدبلوماسيين كان يحمل كثيراً من الثقة بالنفس، والحرص على الوصول بالإمارات إلى المحافل الدولية كافة».

تقدير الإنجاز

وأضاف: «لا نستطيع أن نقدر قيمة ما تم إنجازه في هذا الوطن الذي يعد واحة وسط حرائق كبيرة، إلا إذا عدنا وتمعنا في كيفية نجاح هذه التجربة، وكيف تأسست قبل 46 عاماً، حيث كانت الإمارات السبع متفرقة، وكانت الحدود ترسم على رمال إذا ما هبت العواصف تذروها، فتنشأ إشكاليات».

وأشار إلى أن «بريطانيا ظلت على مدى 150 عاماً مهيمنة على المنطقة ولم تسع خلال تلك الفترة الطويلة لا لتنمية المنطقة ولا لتوحيدها أو تسوية الإشكاليات التي تنشأ فيها، ولم تبن طريقاً ولا مدرسة ولا مستشفى، حتى بعد اكتشاف النفط وبدايات استخراجه لم تكن هناك ثروة في أبوظبي، فلم يكن سعر برميل البترول حتى عام 1970 يتجاوز الدولار الواحد، وكانت حصة الحكومة منه لا تتجاوز 19 سنتاً، والبقية لشركات التنقيب والنقل والتكرير، كذلك كان عدد الخريجين لا يزيد على 45 خريجاً، كيف يمكن أن تبني حكومة بهم؟ وفي مجال العمل الدبلوماسي، علينا أن نرى كيف بدأت بعدد قليل من الخريجين بلا خبرة، ودون أن يكون لدينا شكل من أشكال الدولة سابقاً حتى تستفيد منها، هنا تبرز نوعية القيادة السياسية التي قادت هذا الاتحاد، ومدى تفردها، وما حققته، وهو بلا مبالغة يعد معجزة».

دبلوماسية زايد

وأوضح الحسن أن الشيخ زايد، رحمه الله، توافرت فيه صفات القيادة إلى جانب فطرة إنسانية وإيمان عميق بفكرة الخير العام وبثقافة الاعتدال والمصارحات والتسويات، وبقدرة الحوار على حل الإشكاليات كافة، وهي المعاني التي شكلت سياسة دولة الإمارات.

ولفت إلى أن هناك العديد من المواقف التي جسدت القيم التي اتبعها زايد وأرساها، من أبرز هذه المواقف ما حدث خلال حرب أكتوبر 1973، حيث تم تدمير كل محطات الكهرباء في سورية، فكلف الشيخ زايد سفير الإمارات في لندن في ذلك الوقت مهدي التاجر، بأن يجمع كل المولدات الكهربائية التي في أوروبا ويرسلها إلى سورية على الفور، وكانت كلفة هذا الأمر تتجاوز 100 مليون جنيه إسترليني، ولم يكن هذا المبلغ متوافراً في خزانة الدولة وقتها، وأصرت الشركات على أن يكون البيع نقداً، فتم اقتراض المبلغ من بنوك يابانية وشراء المولدات.

وقال: «هناك موقف آخر شهدته في تلك الفترة أيضاً عندما وقع خلاف بين الرئيس المصري محمد أنور السادات والرئيس الليبي معمر القذافي، فطالب القذافي مصر بإعادة طائرات كان أرسلها لها أثناء الحرب، في الوقت الذي كانت حاجة مصر لتلك الطائرات مستمرة، فقام الشيخ زايد بجمع الاثنين معاً، وأشار إلى أهمية أن تبقى هذه الطائرات لدى مصر، ورفض القذافي وغادر الاجتماع، لكن زايد بنفسه الطويل وما لديه من صبر، وهي قيمة مهمة تعلمها من الصحراء ومن والدته الشيخة سلامة التي علمته الشجاعة والصبر وحب الخير، استمر في التواصل مع القذافي حتى توصل إلى اتفاق بأن تبقى الطائرات ويدفع هو قيمتها، وتم ذلك».

وأضاف: «قام الشيخ زايد، رحمه الله، في حياته بالعديد من المصالحات العربية - العربية، وخلال الحرب العراقية - الإيرانية، كانت الإمارات تعتبر أن الحرب مدمرة للبلدين المسلمين، وعندما تشكلت قوات الردع العربية خلال الحرب الأهلية في لبنان عام 1976، بهدف وقف القتال وإحلال السلام، شارك فيها جنود من جيش الإمارات، وهي المرة الأولى في تاريخ المنطقة التي يخرج فيها جندي إماراتي ليشارك في عمل عسكري، وكان الهدف إحلال السلام».

تويتر