مواجهة مجتمعية للمتسوّلين بـ «الإعاقات المصطنعة»

شهدت الفترة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً لأشخاص معظمهم من جنسيات دول آسيوية أو عربية، يمارسون التسول بادعاء أنهم من أصحاب الهمم، لاستجداء المحسنين، وحثهم على إخراج الأموال، إذ منهم من يزعم أنه مبتور الساق، ومنهم من يتسول بشهادةٍ طبية، وآخرون يدّعون الشلل، بخلاف قائمة طويلة من الإعاقات المصطنعة.

ورصدت «الإمارات اليوم» متسولاً يدعي الإعاقة، وكشف أن هذه الحيل تدرّ دخلاً كبيراً لمستخدميها.

فيما اعتبرت جمعية الإمارات للصم هذا النوع من التسول ظاهرة لا تليق بالإمارات، كونها تسيء لأصحاب الهمم، الذين توليهم الدولة رعاية خاصة يشيد بها العالم.

من جانبهم، اعتبر مواطنون ومقيمون في الدولة، أن هذه الحالات باتت تؤرق كثير من مستخدمي الطرق، رغم أن الجهات الخيرية تؤدي واجبها على أكمل وجه، وتقدم يد العون والمساعدة لكل محتاج.

فيما يناقش المجلس الوطني الاتحادي، الثلاثاء المقبل، مشروع قانون اتحادي في شأن مكافحة التسوّل، يرمي إلى نشر مزيد من الأمن والأمان في الدولة، والسيطرة على هذه الظاهرة، كونه يتضمن عقوبات رادعة ضد المتسول ومستقدمه.

رصدت «الإمارات اليوم» توزيع متسوّل (من جنسية دولة آسيوية)، كتيبات مجهولة المصدر على المارّة وقائدي السيارات في أحد الشوارع الرئيسة بأبوظبي تحمل عنوان «أبجدية الأصابع ـ الإشارة العربية»، مدون عليها عبارة «مرحباً إنني شخص أصم، إنني أبيع هذا النظام التعليمي للصم لكسب عيشي، أرجو منكم شراء بطاقة مني، فقط ادفعوا أي سعر تريدونه مع الشكر».

- سكان: الجهات الخيرية تؤدي دورها.. وحيل المتسولين لا تنتهي.

- مدّعو الصمم يستدرّون عطف المحسنين بـ «كتيبات الإشارة».

وفي الخلفية أشكال ورموز لغة الإشارة لكلمات، مثل: «عمل، بيت، بابا، ماما، زوج، وصديق»، وأخرى لأيام الأسبوع، وصفحة للأرقام، ورابعة للحروف الهجائية العربية.

وبسؤال المتسوّل عن مصدر الكتيب، ردّ بلغة الإشارة بأنه أصم ولا يتحدث، ويسعى للحصول على مبلغ من المال ليعود إلى بلده، لكن بعد تهديده بإبلاغ الشرطة لتوزيعه كتيباً مجهول المصدر، ارتبك وتحدث الإنجليزية بطلاقة، قائلاً «إنني لا أسعى لإيذاء أحد، لكني أريد الحصول على المال فقط ممن يريد أن يدفع».

وبمعاودة السؤال عن مصدر هذه الكتيبات، ذكر «لا أعلم مصدرها، ولكنني حصلت عليها ومجموعة من أصدقائي من شخص (رفض الإفصاح عن هويته أو مكانه)، مقابل مبلغ من المال، لنوزّعها على المارّة»، مؤكداً أن هذه الحيلة تجني له ربحاً كبيراً، لاسيما في المواسم والمناسبات الدينية.

وكشف عن أن هذه الطريقة منتشرة بأشكالٍ مختلفة، إذ أوضح أن هناك من يطلب المساعدة باعتباره أصم، وهناك من يدعي أن لديه إعاقة بصرية، وآخرون يستدرون عطف المحسنين، إما بادعاء المرض أو باصطناع الإعاقة.

اصطناع الإعاقة

أفاد رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للصم، مصبح سعيد النيادي، بأن الجمعية تلقت عشرات الشكاوى، بشأن انتشار ظاهرة التسول من قبل أشخاص يزعمون أنهم من أصحاب الهمم، مشدداً على أن هذه الحالات لا تليق بدولة الإمارات، كونها تسيء لأصحاب الهمم، الذين توليهم الدولة رعاية خاصة يشيد بها العالم.

وقال النيادي لـ«الإمارات اليوم»: «هناك أشخاص من جنسيات دول آسيوية وعربية يدخلون الدولة بتأشيرات سياحية أو زيارة، تكون معظمها في شهر رمضان، ليباشروا أعمال التسول، باعتباره موسماً لكسب المال السهل، استغلالاً لعادات وكرم الشعب الإماراتي».

وأضاف: «الدولة تهتم كثيراً بمد يد العون إلى جميع من يحتاج إلى مساعدة، ولكن عن طريق الجهات المعنية، ومن خلال القنوات الشرعية مثل هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وصندوق الزكاة وغيرهما من مؤسسات العمل الإنساني».

وعن دور الجمعية في مواجهة هذه الظاهرة، قال النيادي: «الجمعية تتواصل مع الجهات المعنية، للحدّ من انتشار مثل هذه الممارسات التي مازالت في إطار الأعمال الفردية، ودورنا هو نشر لغة الإشارة للصم، ومحاولة دمجهم مع المجتمع، وإبراز دورهم، كما نقوم بتوجيه الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدات فعلياً من أصحاب الهمم إلى الأماكن والجهات التي يمكنها مساعدتهم».

وتابع: «يوجد تعاون مستمر بين الجمعية ووزارة الداخلية، للتصدي لممارسات التسول باستغلال الإعاقات أو ادعاء الإعاقة، حيث تأتينا اتصالات من الشرطة بعد القبض على أي متسول من فاقدي السمع والكلام، للمساعدة في استجوابه عن طريق لغة الإشارة».

حِيل المتسولين

اعتبر سكان في الدولة، أن انتشار حالات التسول بات يؤرق المجتمع، رغم أن الجهات الخيرية تقوم بواجبها خير قيام، وتقدم يد العون والمساعدة لكل محتاج، مبينين أن المتسولين يبتكرون أساليب جديدة كل عام، ويعرضون أطفالهم الرضع لأشعة الشمس الحارقة في سبيل الحصول على الأموال، ويمارسون حيلاً وأساليب كثيرة، كالعاهات المصطنعة والقصص والأكاذيب.

وقال المواطن سالم ناصر، إن «السوق تستهوي المتسولين، الذين أرى معظمهم من الشباب القادر على العمل والإنتاج، لكنهم اتخذوا التسول مهنة تدر لهم دخلاً مغرياً، من دون جهد كبير، بسبب تعاطف الناس معهم والانخداع بأكاذيبهم، لاسيما أن بعضهم يدعي الإعاقة»، مشيراً إلى أنه رأى شخصاً كان يعتاد التسول في منطقة الكرامة، بزعم إصابته في قدمه، التي كان يلفها بجبيرة، لكنّه رآه مصادفة في أحد المراكز التجارية سليماً ويرتدي ملابس تدل على عدم حاجته للتسول.

وأضاف: «هناك نوع آخر من المتسولين، وأكثرهم من النساء، يختلق قصصاً وهمية تتعلق بطلب مصروفات علاج لأمراض وهمية، تستند إلى شهادات طبية مزيّفة أو فقدان الزوج ورعاية أيتام، إلى غير ذلك من الأساليب المبتذلة التي تعتمد على استجداء الشفقة».

فيما أكد المواطن حمد الكعبي، أن «المتسولين يبتكرون العديد من الأساليب والطرق لكسب تعاطف المحسنين، منها حيازة شهادات طبية من مستشفيات، أو استخدام طفل من أصحاب الهمم»، مضيفاً «قرأت منذ فترة أن شرطة دبي قبضت على محتال يمتهن التسول باستخدامه حقنة لنفخ جسده لمدة ساعتين، بهدف التأثير في الناس، وآخر يدعي العجز عن المشي، وثبت من خلال مراقبتهما أنهما سليمان، ومن وقتها لم أعد أكترث كثيراً لهؤلاء المتسولين».

بدوره، أشار أيمن الزلاقي، إلى أن «المتسولين أصبحوا يستخدمون طرقاً ووسائل ملتوية في التكسب، كمحاولتهم بيع أشياء ليست لها قيمة، يصاحب عرضها انكسار وتذلل، قد يدفع الشخص إلى الشراء دون حاجة إلى ما يعرض، وذلك لمساعدة المتسول، الذي يدعي أنه بائع، ابتغاء الأجر، وغالباً ما يلجأ المتسول إلى سؤال النساء وكبار السنّ، حيث يعتبرهم أكثر عاطفة ورحمة».

فيما قالت المواطنة منة الظاهري «ألاعيب المتسولين أصبحت مكشوفة لدرجة أنني لم أعد أصدقهم، فعندما أرفض إعطاء المال للمتسول، وأطلب منه أوراقاً تثبت ما يدعي، كي آخذها إلى الجمعيات الخيرية، أجده يرفض، ويتركني مهرولاً في اتجاه آخر، بعد أن تظهر عليه علامات الارتباك».

وأضافت: «المحتاج الحقيقي سيقبل بأي وسيلة تساعده، ولن يرفض أي فرصة تخفف معاناته، كما أنني لدي قناعة بأن منح المال للمتسول سيشجعه على التمادي في التحايل على الناس، والاستمرار في النصب»، داعية إلى الامتناع عن مساعدة المشكوك في أمرهم، والاكتفاء بطلب أوراقهم، وتقديمها إلى الجهات المختصة، لتبحث الحالة، وتقرر، إن كانت مستحقة للمساعدة، أم أنها تتبع حيلاً للنصب والحصول على المال.

وقالت الموطنة عائشة العامري «بات التسول مهنة يمارسها أناس محترفون يأتون من بلادهم من أجل جمع المال، على الرغم من أن هذا العمل غير حضاري، ولا يقرّه الإسلام»، داعياً إلى أهمية أن تكون هناك قوانين حازمة ورادعة لكل من يسهم في انتشار التسول أو يعمل على المتاجرة فيها.

فيما اقترح أحمد مبارك، تشكيل فرق مراقبة من العناصر الشرطية، تنتشر في الأسواق والأماكن العامة لرصد المتسولين وإلقاء القبض عليهم، ومحاسبة كفلائهم، كأحد الحلول للحد من ظاهرة التسول.

الأكثر مشاركة