أكّد أن نسيج البناء العصري في الإمارات تترابط فيه التقاليد مع التحديث

زايد.. رمز الأصالة وحامي التراث

صورة

تبقى مسيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كالأشياء الثمينة التي لا تطالها أغبرة الزمان، بل تظل برّاقة بتفاصيلها النفيسة، وتمر ذكرى رحيله عاماً تلو آخر وسيرته العطرة لاتزال تعبق بها الأمكنة والتواريخ، لم ينس شعبه طوال حياته فحصد حباً جماً يزداد رسوخاً في ذاكرة بشر وأرض ووطن.

إن ما كرّسه المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، من رؤى، لاتزال ترصّع جبين الوطن، وجعلت الإمارات مضرباً بهياً للأمثال بين الشعوب، عبر رجل علمته الصحراء النظرة الصافية والثاقبة لمواجهة المحن والشدائد.. علمته أن الإنسان هو المفتاح السحري لبناء الوطن، والأصالة هي بوابة التقدم والنهضة.

وأصالة الشيخ زايد القائد تتجلى في حبه للتراث، وتشجيع النهوض به، ومازال الجميع يذكر زياراته العفوية لأصحاب المهن التقليدية ولقاءاته المتكررة مع المزارعين والصيادين، ومن عاداته التي مازال الجميع يذكرها مشاركته أبناء الشعب في أفراحهم واحتفالاتهم، وفي معظم المناسبات يتوسطهم مشاركاً.

وقد ارتبط الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، منذ صباه الباكر، بحياة البادية والمكونات البيئية والتراثية فيها، حيث شكلت هذه المكونات ارتباطه الوثيق بالتراث، كما أكد: «لقد ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي، الذي يحق لنا أن نفخر به ونحافظ عليه ونطوّره، ليكون ذخراً لهذا الوطن والأجيال المقبلة».

• أصالة الشيخ زايد تتجلى في حبه للتراث، من خلال زياراته العفوية لأصحاب المهن التقليدية.

وكان المغفور له يؤكد دائماً: «أن نسيج البناء العصري في الإمارات تترابط فيه التقاليد مع التحديث بمتانة ووفاق»، فحرص على إحياء تراث الآباء والأجداد وإبرازه وتطويره وتقديمه في حُلة جميلة لأبناء الإمارات والنشء، بهدف غرس مفاهيم الأصالة والتراث في نفوس الشباب، فكسبت الإمارات في عهده رهان «التوازن» بين الأصالة والحداثة، وبتوجيهاته تم إنشاء جمعيات إحياء التراث الشعبي، وتم الإعلان عن إشهار نادي تراث الإمارات عام 1997، واهتم بإنشاء فرق الفنون الشعبية.

وزرع الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في أبناء الوطن حب التراث والعادات والتقاليد، حيث إن للماضي رائحة طيبة عبقة يشتمها الكبار فيحسون بالحنين له، ويشتمها الصغار فيشعرون بالفخر والاعتزاز، ولا أروع من الشعور بالفخر عند العرب، خصوصاً ماضيهم العريق وعاداتهم الأصيلة.

وركز الشيخ زايد في لقاءاته مع أبنائه الشباب والمواطنين على ضرورة التعرف إلى تراثهم الحضاري، حتى لا ينسوه، والتمسك والاقتداء به قائلاً: «يجب على الشباب أن يتتبعوا ويسألوا عن التاريخ ويراجعوه، سواء أكان التاريخ القريب أم المتوسط أم البعيد، حتى يعلموا ماذا مر بهذا الوطن، وكيف عاصرته الأجيال التي مضت.. لأنني أؤمن بأن من لا يعرف ماضيه فهو حتماً لا يعرف حاضره، أما إذا عرف المرء ماضيه فلابد أن يعرف حاضره ويعرف ما يجب عليه أن يحسبه من حساب المستقبل»، وأضاف إلى ذلك مؤكداً: «إن أي أمة ليس لها تراث ليس لها أول أو آخر». وفي عهده انتشرت نتيجة هذا الاهتمام بالتراث الشعبي وضرورة الحفاظ عليه وجمعه وتوثيقه في مختلف مدن الدولة، والعديد من المراكز والجمعيات والأندية، التي اهتمت بمختلف روائع التراث الشعبي، كما تأصلت الرياضات التراثية كسباقات الهجن والسباقات البحرية والفروسية.

وشجع الشيخ زايد الألعاب الشعبية، لأنها تعبّر عن روح الشعب ووجدانه وعاداته وتقاليده ونمط حياته، وهو في هذا المسعى يتبنى أعرق التقاليد والعادات الشعبية من الاندثار، رغم التبدل الهائل الذي تشهده المنطقة، بسبب تغيّر أنماط الحياة التي تأخذ طابعاً عصرياً، ناصحاً ومرشداً الجيل الجديد من الأبناء بالمحافظة على الرياضات العربية القديمة، مثل الرماية وركوب الخيل، ومشجعاً على ممارسة رياضة سباقات الهجن، نظراً إلى ارتباطها الوثيق بالماضي المجيد لأهل الإمارات، وحرص على تنظيم تلك السباقات وحضورها وتشجيعها باعتبارها من الألعاب الشعبية المتصلة بالفروسية.

ولأن تقدم الأمم والشعوب لا يقاس من خلال نهضتها في المجالات الاقتصادية والبنى التحتية فقط، بل وكذلك بمدى حفاظها على تاريخها وأصالتها وتراثها، ليس في الوطن وحده، إنما في الاعتزاز والتعريف به دولياً، واعتباره جزءاً من الثروة الوطنية والقومية، حرصت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في عهده على تقديم برامجها التي ارتبطت بالتراث المحلي بكل مجالاته، من بينها برامج لمجالس الشعراء، والمسابقات التراثية، وانتشرت المطبوعات والدوريات التي تُعنى بالتراث الشعبي من آداب وفنون وتفاصيل ترتبط بكل ما له علاقة بتاريخ المنطقة والأجداد.

كما نشطت الاحتفالات التراثية والندوات والمؤتمرات التي توضح أهميته وسماته، وانتشرت جمعيات ومراكز الدراسات لتوثيق التراث ونشره بين الأجيال، بحيث بدا الأمر كما أنه ثورة تراثية شعارها حب الأرض واحترام الآباء والأجداد الذين كونوا شخصية الوطن.

تويتر