المواطن الوحيد في الحي القديم يرفض مغادرته إلى مناطق دبي الجديدة

«بو محمد» يحفظ ذاكرة «البستكية» من 82 عاماً

عبدالكريم حاجي في منزله القديم في حي «البستكية التاريخي». الإمارات اليوم

تتوزّع في فريج «البستكية» القديم في دبي، البيوت المتقاربة التي لا تفصل بينها مسافات كبيرة، وتجمعها طرقات صغيرة تسمى بالدارجة الإماراتية «السكيك».

قبل سنوات، وفي إطار التحديث الذي شهدته دبي، نقل قرار حكومي سكان البستكية إلى أحياء جديدة في دبي، لكن هناك من أصرّ على البقاء في هذا المكان يحرس ذاكرته بقوة وإيمان، وهو عبدالكريم محمد حاجي، الذي ولد في عام 1929 تقريباً، ويبلغ من العمر 82 عاماً، وهو متزوج ولديه 12 من الأبناء، ستة من الذكور وستة من الإناث ، و30 حفيداً، وأكبر أحفاده يبلغ 24 عاماً.

تلقى «بو محمد»، وهو المواطن الوحيد الذي يعيش في الحي، دراسته في القراءة والكتابة بفضل تعلم القرآن الكريم أولاً، ثم تعلم الكتابة والحساب، وفي شبابه أسس مطعماً في منطقة ديرة، في سوق مرشد.

عن طفولته ونشأته في البستكية قال حاجي: «لم تكن طفولتنا كأطفال اليوم، وإنما كانت بسيطة جداً نقضي أوقاتنا بين التعلم البسيط في الصباح في الكتاتيب، وعند الظهيرة نذهب إلى البحر نصطاد السمك من الخور بوساطة الخيط أو الميدار (الصنارة)، وبعد عودتنا من البحر نلتقي في حي البستكية نلعب الألعاب المتوافرة لدينا، مثل لعبة المسطاع، والكوخ، والكرة وغيرها».

ويقع حي البستكية التاريخي شرقي المدينة في بر دبي، ويمثل أحد المعالم التاريخية التي تميز المدينة، ويمتد بمحاذاة الخور لمسافة نحو 300 متر، ويمتد عمقه باتجاه الجنوب نحو 200 متر.

يتكوّن منزل «بو محمد» من مجلسين، أحدهما للنساء، وبعض الغرف الصغيرة الحجم، وهناك مكان لتخزين الطعام، وما عدا الكهرباء وجهاز تلفزيون فلا يوجد في البيت أي ملامح من تأثيث البيوت الحديثـة، وأراده «بو محمد» كذلك، ليحافظ على سطوع المكان في ذاكرته.

ويروي «بو محمد»، أن «هذا الحي نشأ بتوجيهات من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الذي منح أهاليه أرضاً لإقامة مساكنهم وأسواقهم التجارية، ومن ذلك الحين نشأ وازدهر إلى أن أصبح أحد الأحياء التي تحفظ تاريخ دبي وتراثها».

عمل حاجي في النقل القديم، بوساطة العبّارات، حيث صنع عبارتين، مستخدماً في صناعتهما خشب الساج المستورد من الهند وخشب القرط المصنّع من الأشجار المحلية، وبعد ذلك انتقل إلى العمل في مجال المقاولات، وأسس شركة أخذ يديرها ويعمل بنفسه فيها، ولم تتوقف تطلعاته عند هذا الحد، بل أخذ يعمل في التجارة الخارجية التي توزّعت بين البحرين، ودولة قطر، وكان يذهب لمواصلة أعماله التجارية الخارجية عن طرق البحر بوساطة السفن الشراعية التي كانت متوافرة آنذاك، وتنقل المسافرين بين موانئ الخليج العربي، وبهذه الطريقة تمرّس «بو محمد» في عمله التجاري.

وحول تمسكه بالعيش في «البستكية» قال: «هذا الحي كان يعيش فيه أبي وأجدادي، وتفتحت عيني على الحياة بين بيوته، كما شهد الحي زواجي، وطفولة أبنائي ودراستهم، وزواجهم فيه ، لذلك لا أقوى على مفارقة هذا الحي، الذي ترسخ في وجداني بكل ما فيه»، وأضاف: «أنظر للحي اليوم كنظرتي له بالأمس، فلي ذكريات جميلة مع أصدقاء وجيران».

وعما تعنيه «البستكية» للجيل الثاني، قال (خالد)، أحد أبناء عبدالكريم: «المنطقة تركت فينا بصمة لن يمحوها الزمان»، ويعد هذا الحي كما يراه «حلقة وصل بين الماضي والحاضر، مازلنا نتعايش معها، كلما زرنا هذا المكان بين الحين والآخر».

ولفت إلى أن «والده لايزال يمارس بعض نشاطاته السابقة في الحي، وعلى الرغم من خلوه من جميع السكان، فإنه أصرّ على البقاء فيه لشدة تعلقه بالمكان، وإحساسه الدائم بأنه جزء لا يتجزأ من وجدانه».

ويشير الابن إلى أن «العائلة استشارت الأب في الخروج من الحي والإقامة في منزل بمنطقة القوز السكنية، التي كانت تُعرف سابقاً بـ(النجمة)، لكنه رفض، وأصرّ أن يبقى في منزله وسط البستكية».

تويتر