معاناة مضاعفة لذوي أطفال «داون» و«التوحد» في ظل «كورونا»

تتزايد الضغوط النفسية والجسدية على الأسر التي لديها أطفال مصابون بـ«متلازمة داون» و«التوحد»، مقارنة بما تواجهه الأسر الأخرى، في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، إذ يميل هؤلاء الأطفال عادة إلى ابتكار أساليب وحيل للتحرر من القيود ومغادرة المنزل، في وقت يتعين على الجميع التزام منازلهم، للوقاية من الفيروس.

وتتعدد أنواع وأشكال الضغوط النفسية التي تعيشها الأسر، إلا أن الأبرز هو ارتهانها على مدار الساعة للمتابعة والرقابة المطلوبة على أبنائها، لضمان سلامتهم الجسدية والمعنوية، لاسيما في ظل الظاهرة التي تعرف علمياً بـ«التجول»، وتعني رغبتهم الدائمة في الانتقال من مكان إلى آخر، وعيش معظمهم في مساكن غير مهيأة لاحتياجات وأنواع الإعاقات المختلفة.

وأكدت أمهات لـ«الإمارات اليوم» أن خوفهن على أطفالهن من مغادرة المنازل في غفلة منهن، يمنعهن من الاسترخاء أو النوم، مشيرات إلى شعورهن المستمر بالقلق عليهم.

وشرحن أن محاولات خروج أبنائهن من المنزل لا تقتصر على النهار، بل إن كثيراً منها يحصل أثناء ساعات الليل المتأخرة.

ونصح طبيب نفسي الأسر التي لديها فرد من أصحاب الهمم باللجوء إلى أجهزة مساعدة، مثل أجهزة الإنذار التي تصدر تنبيهاً بمجرد فتح الأبواب أو النوافذ، حتى تتمكن من رصد حركة أبنائها، ومنعهم من تعريض أنفسهم للخطر.

وأضاف أن «هذا الحل تشوبه عوائق، لأن الأجهزة تتطلب ميزانيات خاصة»، لكنه اعتبره «الحل الأمثل، خصوصاً في الفترة الحالية».

وتصاحب «متلازمة داون» درجات متفاوتة من الإعاقة الذهنية والجسدية والمشكلات الطبية، أما «التوحد» فهو ضعف نمو الدماغ أو الجهاز العصبي المركزي. وهو يتسم بثلاثة أعراض محددة، هي ضعف التفاعل الاجتماعي، وضعف التواصل، ووجود اهتمامات وأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة.

وروت أم لطفل مصاب بـ«متلازمة داون» لـ«الإمارات اليوم» معاناتها الدائمة في البحث عن طرق تضمن عدم خروجه من المنزل بمفرده، مؤكدة أنه لا يتوقف عن محاولة الخروج إلى الشارع، بغض النظر عن الوقت أو الظرف المحيط به.

وأضافت أن أفراد الأسرة يحيطون به، ويتناوبون على رعايته، إلا أنه يباغتهم محاولاً الخروج بمفرده من المنزل.

وقالت إنه يراقبهم ليعرف مكان المفاتيح، وإنه نجح أكثر من مرة في العثور عليها، لكنهم تمكنوا من الوصول إليه قبل أن يبتعد عن المنزل.

وأشارت إلى أن فكرة خروجه بمفرده تسبّب قلقاً وتوتراً شديدين لكل أفراد الأسرة، بسبب صعوبة الاستمرار في إحكام إغلاق الأبواب طوال الوقت.

وشكت أم لطفلة لديها «متلازمة داون» أيضاً، من اضطرارها إلى متابعة طفلتها في كل لحظة، خوفاً من خروجها إلى الشارع وحيدة، على الرغم من وجود كاميرات مراقبة في كل أنحاء المنزل لمتابعة تحركاتها.

وقالت: «على الرغم من صغر حجم ابنتي، فقد نجحت أكثر من مرة في وضع كرسي والوقوف عليه لفتح قفل الباب».

وأعربت عن قلقها من خروجها، ليس فقط من الباب، ولكن من خلال نوافذ الحجرة، مشيرة إلى أن مواصفات النوافذ لا تناسب طبيعة الإعاقة التي تعانيها ابنتها.

وقالت إن «إحكام إغلاق النوافذ والأبواب يتطلب وجود نظام إلكتروني برموز وأرقام سرية، لكن هذا ليس حلاً عملياً بالنسبة لأفراد الأسرة الآخرين».

وتصل المشكلة إلى حدود أبعد، لدى أرملة لديها ثلاث بنات مصابات بإعاقة ذهنية، إذ تتحمل مسؤولية المحافظة على سلامتهن طوال الوقت، في حين أن ظروفها المالية محدودة جداً، ولا تتيح لها الاستعانة بمساعدة منزلية، أو مُرافِقة لبناتها، تعاونها في الاهتمام بهن.

وقال أب لطفل مصاب بطيف «التوحد»، إن «المشكلة الحقيقة التي تعيشها أسر الأطفال المصابين بـ(التوحد) أو (متلازمة داون)، هي الحاجة إلى سكن يناسب ظروفهم النفسية والجسدية والذهنية»، وشرح أن «كل مرافق المنزل، من نوافذ وسلالم وأبواب ودورات مياه، يجب أن تكون بمواصفات معينة، تناسب حالة الإعاقة أو نوع التوحد الموجود لدى الطفل».

من جهته، شرح الطبيب النفسي، الدكتور حسين المسيح، لـ«الإمارات اليوم» أسباب رغبة الأطفال والبالغين من أصحاب الهمم في الخروج بمفردهم من المنزل، مؤكداً أن «ما يفعلونه ليس هروباً، لأنهم لا يعون ما يبدر عنهم من تصرفات، كما أنهم لا يدركون عواقبها».

وأضاف أن «الطفل من هؤلاء، حين يسمع صوتاً أو حركة في الخارج، يرغب في الخروج فوراً لمشاهدة ما يحصل، من دون أن يعي أنه يجب أن يكون بمرافقة أحد».

وقال المسيح إن «هذا التصرف تعبير عن اندفاعية يتسم بها سلوك الطفل، فحين يفكر في شيء أو يرغب فيه، يقوم به فوراً، من دون تفكير في النتائج أو الأثر المترتب على تصرفه».

وأكد أن «هذه المشكلة يعانيها كثير من أسر الأطفال الذين لديهم (توحد) أو (متلازمة داون)، حيث تستيقظ صباحاً فلا تجد الطفل في المنزل، وتسارع بإبلاغ الشرطة والبحث في المستشفيات».

وتابع أن «على الأهالي أن يتخذوا احتياطاتهم بكثير من التشدد والحذر، لاسيما من ناحية قفل الأبواب والنوافذ، نهاراً وليلاً».

وعن وجود تقنيات أو أساليب يمكن أن يستخدمها الأهل لمواجهة الأطفال الذين يبتكرون طرقاً للتحايل والخروج بمفردهم، قال المسيح إن الطفل إذا وصل إلى مرحلة صار فيها يراقب ويبتكر ويجد طريقة للخروج، فإن أفضل حل ممكن أن يلجأ الأهل إليه، الاستعانة بأجهزة مساعدة، مثل أجهزة الإنذار التي تصدر تنبيهاً عند فتح الأبواب أو النوافذ.

وأضاف أن ذلك قد تشوبه عوائق، لأن هذه الأجهزة تتطلب ميزانيات خاصة، وذلك ما يزيد الأعباء عليهم، خصوصاً أن تكاليف مصروفاتهم كأسرة لديها فرد من أصحاب الهمم أعلى من مصروفات أي أسرة أخرى.

ويذكر أن وزارة تنمية المجتمع تنفذ حالياً برامج التعليم والتدريب عن بعد للأطفال المسجلين في مراكزها، مواصلة تنفيذ خططها في تأهيل ورعاية أصحاب الهمم من الإعاقات المختلفة، بما فيها الإعاقة الذهنية.

التجول

قال الطبيب النفسي، الدكتور حسين المسيح، إن هناك ظاهرة معروفة علمياً بـ«التجول»، وهي صفة ملازمة للأطفال المصابين ببعض الإعاقات الذهنية، وتحديدا أطفال «التوحد» و«متلازمة داون»، تشرح تصرفهم.

وشرح أن المقصود بـ«التجول» هو كثرة الحركة، والرغبة في الانتقال من موقع إلى آخر.

وتابع أن هؤلاء الأطفال إذا استيقظوا ليلاً ولم يجدوا أحداً بجانبهم، يتجولون داخل المنزل، ثم يخرجون منه للتجول خارجه، وعندها يتعرض كثيرون منهم للضياع، لأنهم لا يعرفون كيف يعودون إلى المنزل.

أُسر: بيوتنا غير مؤهلة لإعاقاتهم.. والفيروس يضاعف مخاوفنا.

الدكتور حسين المسيح:

«اللجوء إلى أجهزة الإنذار التي تصدر تنبيهاً بمجرد فتح الأبواب أو النوافذ، حلّ مثالي لحماية الأطفال من تعريض أنفسهم للخطر».

 

الأكثر مشاركة