مختصون نفسيون: المرض يتطلب خطة علاجية قد تستمر مدى الحياة

الخوف من الإدمان يدفع أهالي مرضى بـ «الفصام» إلى إيقاف علاجهم.. والنتيجة «انتكاسة»

أدوية مرض الفصام تعمل على إعادة توازن كيمياء المخ. أرشيفية

يعمد بعض الأهالي إلى إيقاف الدواء العلاجي، عن أبنائهم المصابين بمرض «الفصام» الذهني، لاسيما بعد قطعهم شوطاً في رحلة العلاج الدوائي والوصول لاستقرار حالاتهم الصحية، خوفاً عليهم من إدمان هذه الأدوية، واعتقاداً منهم أنهم تعافوا تماماً، ولم يعودوا بحاجة للدواء، ما يسبب للمرضى «انتكاسة حادة»، تفقدهم السيطرة على تصرفاتهم، وتالياً تسوء حالاتهم أكثر من مرحلة ما قبل العلاج.

فيما رأى أطباء ومستشارون نفسيون أن هذا المرض يتطلب خطة علاجية للمريض قد تستمر مدى الحياة، وأن البيئة التي يعيش فيها الشخص قد تكون سبباً في الإصابة بهذا المرض الذهني، إذ تعتبر الضغوط والتوترات النفسية أهم مسبباته، مشددين على ضرورة دمج المريض في أسرته ومجتمعه، لتنمية مهاراته التواصلية مع استمرار أخذه الدواء طوال حياته، وتزويد الأهل بثقافة معرفة المرض الذهني وضرورة علاجه.

المستشارة النفسية والأسرية في مركز همسة للاستشارات النفسية في دبي، الدكتورة هيام أبومشعل، قالت إن الفصام مرض عقلي، يوصف باضطراب في التفكير والوجدان والسلوك، وإنه من الأمراض العقلية التي تسبب لصاحبها مشكلات تبعده عن أهله وأصدقائه ودراسته وعمله، وتدفعه إلى العزلة والانطواء وعدم شعوره بالمحيطين به، فضلاً عن شعوره بالارتباك، عازية أسباب الإصابة به إلى عوامل بيوكيميائية، فيما تعمل الأدوية على إعادة توازن كيمياء المخ.

وللفصام أنواع عدة صنفت وفقاً للأعراض، منها «الجامودي» و«المطاردة»، إلا أن أكثرها شيوعاً هو «الفصام غير المنتظم»، الذي قد يصيب الأطفال من عمر ثمانية أعوام، إلّا أن أكثر الحالات التي تراجع مركز همسة للاستشارات النفسية مصابة بالفصام من عمر 18 عاماً وما فوق، وتكون بسبب ضغوط الحياة التي يتأثرون بها مع تواترها المستمر.

ووفق أبومشعل، فإن مريض الفصام يخضع لمراحل عدة من العلاج، منها الدوائي والنفسي (السلوكي)، إلى جانب تأهيل وتطوير مهارات التواصل مع العالم الخارجي، ويعد العلاج النفسي ذا أهمية أكبر من العلاج الدوائي، نظراً لأن بعض أمراض الذهان يكون سببها الرئيس اضطرابات نفسية.

ومن الضروري عدم إيقاف إعطاء المريض الدواء فجأة، كون ذلك يسبب له انتكاسة حادة، تجعل حالته تسوء أكثر من مرحلة ما قبل العلاج، وبعض الأهل قد يعمدون إلى إيقاف علاج أبنائهم المصابين بالفصام، خوفاً عليهم من الآثار الجانبية للدواء، وأيضاً لرغبتهم في الحصول على علاجات ذات مفعول سريع، بينما بعض الخطط العلاجية تتطلب وقتاً طويلاً لتتحسن الحالة، الأمر الذي يؤكد ضرورة تزود الأهل بثقافة المرض النفسي والذهني، وأهمية العلاج المناسب لكل حالة.

أما مديرة إدارة واحات الرشد، التابعة لدائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة، أمينة الرفاعي، فذكرت أنه غالباً يوقف الأهالي علاج أبنائهم المرضى بعد ملاحظتهم استقرار حالتهم ونجاح دمجهم أسرياً، وتخلصهم من الأعراض والسلوكيات التي كانت تنتابهم قبل تلقيهم العلاج، ظناً منهم أنهم شفوا تماماً، ما يسبب لهم انتكاسة حادة، تفقدهم السيطرة على تصرفاتهم، إذ إن علاج مرض الفصام قد يستمر طوال الحياة لضمان استقرار الحالة، وهناك خطط علاجية تختلف مدتها من مريض إلى آخر.

«العلاج الدوائي وحده لا يكفي لمريض الفصام، ومع ذلك فإن توقفه من تلقاء نفسه أو بتوجيه من أسرته عن تناول الدواء، يجعل النتيجة الحتمية إصابته بانتكاسة»، حسب ما أوضحت الأخصائية النفسية، مريم علي الحمادي، التي عزت من أسباب قيام بعض الأسر بإيقاف علاج أبنائها المصابين بالفصام المفهوم المغلوط عن الأدوية النفسية، بأن لها تأثيراً مخدراً يجعل المريض يدمنها، لكن هذا لا يتفق مع واقع الأمر، إذ إن الأدوية النفسية، خصوصاً التي تعالج أمراضاً، مثل: الفُصام أو الاضطراب الوجداني الثُنائي القطب، هي أدوية عادية، ولا تُسبب تخديراً ولا إدماناً لمن يتعاطاها، بل هي وسيلة علاجية ولها تأثير إيجابي كبير في تحسن المريض واستقرار وضعه الصحي، حال استمر في تناول الدواء، وفقاً للخطة العلاجية التي وصفها له الطبيب المعالج.

المواطن «أبوحمدان» قال: «لديّ شقيقة (33 عاماً)، أصيبت بهذا المرض قبل ستة أعوام، ولاحظنا في بداية إصابتها بالفصام أنها تفضل الجلوس بمفردها معظم الوقت، وفي ذروة تطور مرضها كانت تؤمن بمعتقدات خاطئة غير منطقية، مثل اعتقادها أنها مضطهدة ومظلومة، أو أن أحداً يتجسس أو يتآمر عليها، ما دفعها لترك عملها والجلوس في المنزل، بعد أن كانت تعمل معلمة بإحدى المدارس الخاصة، وعندما توجهنا بها إلى أحد المراكز الطبية المختصة بالإمارة، وبدأت رحلة العلاج الدوائي بالحقن والأدوية الطبية، ومن ثم تبعها العلاج السلوكي المعرفي، لاحظنا تحسناً طفيفاً في حالتها في بداية العلاج، لكنه سرعان ما تطور للأفضل مع تطبيق خطة علاجية متكاملة، وبعد مرور ثلاثة أعوام على علاجها لاحظنا أن حالتها تحسنت بشكل جيد، وبدأت تخرج من عزلتها وتشارك في المناسبات العائلية والأنشطة الاجتماعية المختلفة، ما جعل والدتي تتعمد إيقاف العلاج الدوائي عنها، اعتقاداً منها أنها شفيت تماماً من المرض، وأن الفصام لن يرجع لها مرة أخرى، وتجنباً لإدمانها هذه الأدوية، لكن لم يمضِ أسبوع حتى عادت حالتها أكثر سوءاً من السابق، وحينما راجعنا الطبيب أخبرنا بأنها تعاني بداية (انتكاسة حادة)».

أما خولة الهاشمي، وهي أم لفتى عمره 16 عاماً، مصاب بالفصام، فقالت إنها اكتشفت مرض ابنها وهو في التاسعة من عمره، فتوجهت به إلى المستشفى، وأخبرها الطبيب المختص بأنه مصاب بالفصام، وبدأت رحلت العلاج، إلا أنها سافرت لإكمال دراستها في إحدى الدول الأوروبية، ورأت أنه بات طبيعياً، فقررت منع إعطائه العلاج، وبعد 10 أيام لاحظت أن حالته تسوء، وانتكست حالته.

تويتر