لا يوجد نص قانوني يجرّمها.. وعقوبتها جزائية لا ترقى للسجن

الغش في الامتحانات «عن بُعد» سلوك غير مشروع يحتاج إلى عقوبة

صورة

أثارت تجربة الامتحانات عن بعد، خلال جائحة «كورونا»، تساؤلات وجدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي بين أهالٍ حول عقوبة مساعدة آباء لأبنائهم في حل أسئلة الاختبارات، أو استعانة الطلبة أنفسهم بالكتب المدرسية والمصادر التعليمية.

وأكدت وزارة التربية والتعليم أنها تطبق حزمة إجراءات رقابية للكشف عن الغش، موضحة أن هدف التعليم تنمية مهارات الطلبة وليس الدرجات، فيما كشف المستشار القانوني الدكتور يوسف الشريف، أنه لم يصدر قانوناً بتجريم هذا النوع من الغش، ولكن هناك لوائح تحظره، وتطبق جزاءات لا تصل إلى حد العقوبة الجنائية، وتتدرج من تنبيه الطالب وإلغاء الامتحان والحرمان من المادة.

وتفصيلاً، اختلف ذوو طلبة على مواقع التواصل الاجتماعي حول مفهوم الغش وعقوبته، إذ اعتبر فريق منهم أن تطبيق الامتحانات عن بعد أتاح تلقائياً للطالب الاستعانة بمصادر علمية من كتب أو إنترنت واعتماد منهجية البحث عن المعلومة، فضلاً عن أن بعضهم يقدم على ذلك خشية الرسوب في الامتحان، فيما أكد فريق آخر أن حصول الطالب على المساعدة سواء من ذويه أو من أية مصادر أخرى تعتبر واقعة غش، وتساوي بين الطالب المتفوق وغيره، كما أنها تضر بالطالب ذاته ومستقبله، ويستوجب تطبيق عقوبة على هذا النوع من الغش.

وأكد ذوو طلبة في مراحل دراسية مختلفة، عدم استطاعتهم ترك أطفالهم يؤدون الاختبارات بمفردهم، لخوفهم من حدوث أي خطأ في الكمبيوتر أو شبكة الإنترنت خلال الامتحانات، بالإضافة إلى الرهبة الإضافية من أداء الامتحانات عن بعد بسبب جائحة «كورونا»، مشيرين إلى أن تواجدهم بجانب أبنائهم أثناء تأدية الامتحانات غرضه الدعم ومساعدتهم في إيضاح ما يستعصي عليهم فهمه، خصوصاً لعدم وجود معلم يساعدهم في إيضاح المقصود من بعض الأسئلة كما كان يحدث في الامتحانات داخل المدرسة.

وقال ذوو طلبة، ماجدة فوزي، ومرفت سمير، وولاء شافع، وأحمد موسى، وخالد رمزي، لـ«الإمارات اليوم» إن أولياء الأمور يتحملون العبء الأكبر في العملية التعليمية منذ تطبيق التعليم عن بعد، ويضطرون إلى مساعدة أبنائهم في الاختبارات لمعرفتهم جيداً أنهم لم يستفيدوا خلال العام الدراسي بالقدر الذي يتيح لهم أداء الامتحان بمفردهم، خصوصاً أن عدم ثقة أولياء الأمور في تساوي الفرص بين الطلبة، وعدم التأكد من تواجد ذوي الطلبة مع أولادهم خلال الامتحان يدفع بقية ذوي الطلبة إلى مساعدة أطفالهم.

من جانبها دعت مدارس خاصة في أبوظبي ذوي الطلبة إلى عدم القلق من الامتحانات، وترك الطلبة يؤدونها بأنفسهم لرفع ثقتهم في قدراتهم، خصوصاً أنها لن تؤثر على انتقالهم إلى الصفوف الأعلى، فيما دعت دائرة التعليم والمعرفة، ذوي الطلبة إلى السماح لأطفالهم بإجراء الاختبارات والامتحانات دون تدخل منهم، مشيرة إلى تفهمها رغبة ذوي طلبة في تمكين أطفالهم، وحذرت من أن الاعتماد المفرط على الوالدين يحد من دوافع الأطفال ويمكن أن يؤثر على قدراتهم ومستواهم التعليمي.

وأكدت المدارس أنها تزوّدت بأدوات منع الغش، واعتمدت الاختبارات المراقبة عبر الإنترنت للطلبة، مع تحديد فترات زمنية للاختبارات الإلكترونية، لتشجيع الطلبة على أدائها بأنفسهم، خصوصاً أن الاختبارات لن تؤثر على التحصيل والتقدم في نهاية العام، مشيرة إلى أنها شكلت فرقاً فنية من المختصين في المجال الإلكتروني لمراقبة الامتحانات التي تتم «عن بعد»، لحل أي مشكلة فنية قد تحدث خلال الامتحانات.

وأفاد معلمون وإداريون في مدارس خاصة، علا سمير، وأماني ريحان، ومريم خلف، وأحمد جاد، بأن العديد من ذوي الطلبة يساعدون أبناءهم خلال تأدية الامتحانات، ما يؤثر على تحديد مستواهم الحقيقي، ويصعب على المدارس وضع خطط أكاديمية لهم خلال العام الدراسي المقبل، مشيرين إلى أن الأسر ترغب في تحقيق أبنائها نتائج متميزة، غير مدركين أن هذه النتائج ستضرهم مستقبلاً ولن تفيدهم.

وشدد المعلمون على أن المدارس تؤدي دورها في توعية ذوي الطلبة بمخاطر الغش على مستقبل الطلبة وتنشئتهم، إلا أنها لا تملك سلطة منع ذوي الطلبة من مساعدة أولادهم، لافتين إلى أن مرحلة رياض الأطفال والصفوف الدراسية الأولى يتم إرسال الاختبارات للطلبة من قبلها للتدريب عليها قبل أدائها، وذلك لزيادة ثقتهم في أنفسهم وتنشئتهم على أن الاختبارات لا تحدد مصير المتعلم، وإنما الهدف منها قياس المهارات والمعارف التي اكتسبها الطالب، ومساعدة المعلمين على تعزيز جوانب الفهم والإدراك لديهم مستقبلاً.

فيما ذكر معلمون، محمد صديق، وإيمان جاد، وليان ثابت، أن المدارس وضعت آلية لضبط الاختبارات عن بعد عبر تشغيل كاميرات أجهزة الطلبة، أو تشغيل خاصية مراقبة برامج التصفح عند الطلبة خلال أداء الامتحان للحؤول دون الاستعانة بصفحات أو مواقع أخرى للإجابة عن الأسئلة المطروحة، بالإضافة إلى دعوة الطلبة إلى فتح جهاز آخر ليكون المعلم على اتصال بالطالب خلال أداء الاختبار، حيث يكون جهاز الكمبيوتر الأول متصلاً بموقع أداء الاختبار والجهاز الآخر متصلاً ببرنامج «زووم» لإتاحة الفرصة للمعلم لمتابعة الطالب والتأكد من أنه هو من يؤدي الاختبار.

وأضافوا أن ظهور جائحة كورونا وما ترتب عليها من إجراءات التحول للتعليم عن بعد لضمان سلامة الطلبة، لم يتح الفرصة للمدارس لوضع لوائح للغش الإلكتروني لذلك تطبق كل مدرسة إجراءات استرشادية الهدف منها مصلحة الطلبة، ولكنها لا تصل إلى العقاب أو الحرمان من الامتحانات، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار ظروف الجائحة، لافتين إلى أن العديد من ذوي الطلبة يستغلون غلق خاصية الصوت في برنامج «زووم» في مساعدة أبنائهم، حيث يمكنهم إرشادهم إلى الإجابة الصحيحة، دون الظهور في كادر الكاميرا.

من جانبه، قال المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف، إن الكثير من ذوي الطلبة أثاروا خلال الفترة الماضية جدالاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول تجريم وتأثيم الغش في الامتحانات والعقاب عليه بالسجن الذي يصل إلى 10 سنوات، وما قيل في ثنايا ذلك من أنها تمثل جرائم تزوير وانتحال شخصية وغيرها.

وتابع أن الغش خُلق ذميم قبل أن يكون فعلاً، وهذا الفعل بالمطلق دون تقييد أو جزم أنه مؤثم من عدمه، لأن الأخلاق تختلف في ميزان القانون عنها في الدين أو العرف، فهناك من الأخلاق ما هو ذميم سواء من جهة الدين أو العرف ولكنها غير مؤثمة أو معاقب عليها قانوناً، فمن الأخلاق الذميمة ما يمس الدين ذاته ويعاقب عليها الدين ولكن لا يعاقب عليها القانون، فما من ريب أن ترك الصلاة معاقب عليه في الدين ولكن لا يعد جرماً معاقباً عليه في القانون.

وأضاف الشريف أن الأخلاق لا تتلاقى في الحقيقة والواقع في بعض الأحيان مع القانون، لذا كان لابد من تأصيل الفعل كما أسلفنا حتى نقف على مدى تأثيمه جنائياً كما أثير من عدمه ونطاق الجزاء أو العقاب عليه.

وأشار إلى أن القاعدة الدستورية أنه لا جريمة ولا عقوبة بغير نص (المادة 27 من دستور الدولة)، والمبدأ القانوني أن الخاص يقيد العام، وأن المطلق يظل على إطلاقه ما لم يقيد (مبدأ المطلق والمقيد وهو أمر شرعي وقانوني أيضاً)، والتجريم أو التأثيم والعقاب مصدره التشريع لا الأخلاق ولا العرف ولا الآراء الشخصية ولا غيرها.

وأوضح الشريف أن التشريع يتدرج من أعلاه إلى أدناه أي من الدستور ثم القانون ويليه المراسيم واللوائح والقرارات، ويجب أن يعايش التشريع بكل فروعه للمجتمع ويخضع لنواميس التغيير والتطور والتحديث، لذا يتم تعديل أو تغيير النصوص بل والقوانين وما دونها من آن لآخر لتواكب هذه الحداثة.

وذكر أن مجال التعليم مجال خاص يخضع لقوانين ولوائح خاصة، وهناك قواعد تواجه الغش في الامتحانات وتحدد الجزاءات المترتبة عليه، مؤكداً أن عقوبة الغش هي جزاءات لا عقوبات، فلوائح التعليم بجميع مراحله تحظر الغش في الامتحانات وتضع جزاءات عليه تتدرج من تنبيه الطالب وإلغاء الامتحان والحرمان من المادة أو عدد من المواد أو الحرمان من دخول الامتحان لعام أو أكثر وغيرها، وجميع ذلك جزاءات لا تصل إلى حد العقوبات الجنائية.

ولفت الشريف إلى أن وقائع الغش تخضع لقواعدها ولوائحها الخاصة طالما لم يشملها القانون وطالما لم يصدر قانون خاص بتجريمها جنائياً.

وذكر أنه لابد لنا من أن نفرق واقعة الغش في نظام التعليم التقليدي عن نظام التعليم الحديث، فلا شك في أن نظام التعليم التقليدي كان يعتمد على ذاكرة الطالب وملكة الحفظ لديه، بينما في نظام التعليم الحديث تغير مفهوم الامتحان والتقييم بصفة عامة، فأصبحت الغاية من الامتحانات والتقييم هي قياس مدى الاستيعاب والتحصيل والإلمام والفهم لدى الطالب وليس الحفظ، ولذلك أصبح متاحاً في الامتحانات اصطحاب الكتب والمراجع، وهو ما يُعرف بنظام (open book exam)، ومثله الاستعانة بكتب أو مراجع إلكترونية أو أشخاص سواء كان مدرساً أو غيره.

وتابع أنه يجب الوقوف على مفهوم الغش في حدود نطاق ونظام الامتحان والقواعد واللوائح الخاصة التي تحددها الجهة المعنية المختصة المسؤولة عن الامتحان، مثل وزارة التربية والتعليم بالنسبة لمراحل التعليم الأساسي والثانوي والجامعات بالنسبة لهذه المرحلة.

وبين الشريف أنه «شتان ما بين الغش في نظام الامتحان التقليدي الذي لا يعرفه نظام الامتحان الحديث، بدليل السماح بالامتحانات عن بعد عبر وسائل التقنية والتكنولوجيا الحديثة».

تحديد مكامن الضعف

نصحت دائرة التعليم والمعرفة المدارس الخاصة باستخدام الاختبارات التشخيصية والتكوينية لتحديد مكامن الضعف في عملية التعلم، مشيرة إلى أنه يجب نقل الطالب إلى الصف الدراسي التالي حسب نظام الترفيع العالمي لضمان بقائه ضمن البيئة الدراسية مع أقرانه، بما يتماشى ودليل سياسات المدارس الخاصة المطبقة في إمارة أبوظبي، وعلى المدرسة معالجة التأخر الدراسي عند الطلبة عن طريق أسلوب (Spiral learning/‏ العلاجي).

جرائم انتحال الشخصية

أفاد المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف، بأن الخوض في الحديث عن موضوع الغش في الامتحانات بالإشارة إلى جرائم انتحال الشخصية والتزوير أمر خارج عن سياق الموضوع ذاته، لأن الامتحانات علاقة بين الجهة المعنية بالامتحان كوزارة التربية والتعليم أو الجامعات والمعني بالامتحان أي الطالب، ووجود شخص غير المعني بالامتحان يخرج الواقعة أو الفعل الذي سيقترفه هذا الشخص الأجنبي من نطاق الخصوصية إلى العمومية، وهنا فقط يمكن الحديث عن تلك الأفعال والجرائم، لكن طالما ظلت الأفعال أو السلوك في حدود خصوصية المنظومة بشخوصها ونطاقها، لا نكون في ظل العمومية بل نلتزم بخصوصيتها وقواعدها ولوائحها.

وتابع أنه بالإشارة إلى أن الغش في الامتحانات يؤدي إلى تخريج جيل ينقصه الإلمام والتحصيل، فهو ما ثبت بالواقع العملي عدم صحته على الإطلاق، لأن استراتيجية منظومة التعليم هي توجيه الطالب نحو منهجية البحث لا التلقين بالمعلومات.

• انتشار الغش في الامتحانات يثير جدلاً بين ذوي الطلبة حول العقوبة والمسؤولية.

• «التربية» تنفذ حزمة إجراءات رقابية للكشف عن الغش في الامتحانات.

تويتر