نقطة حبر

جرأة الخيال في التعليم

عندما قال عالمي المفضل، ألبرت آنيشتاين، إن الخيال أهم من المعرفة، فقد أظهر نقطة في غاية الأهمية في تاريخ البحث العلمي، الذي اتسم في بعض الأوقات من التاريخ بالجمود الفكري، كما حصل في عصور الظلام مع تدخل الكنيسة في محاور البحث ونتائجها والتحكم في منهجية الفكر.

قد يظن الكثيرون أن البحث العلمي المحرك الأساسي لاكتشاف النظريات وصقلها لتطوير البشرية، لكن مع دراسة تاريخ الاكتشافات نجد أن معظمها حوربت في بدايتها علمياً.. وتم رفضها.

فمثلاً الأخوان براين، تم رفض اقتراحهما بتجربة الطيران من معظم الجامعات المرموقة، بسبب رفض المجتمع العلمي احتمالية تطبيقها، حيث كانت النظرية السائدة أن الإنسان لا يستطيع الطيران، وأنه ضد قوانين الطبيعة.

لكن النقطة التي قد يغفلها الكثيرون من العلماء، خصوصاً في مجال العلوم والتقنية، هي أن الطبيعة تحترم الخيال، وتكافئ صاحبه، حيث يوجد الكثير من الأمثلة في علوم الحياة والتجانس التي توضح هذه الفرضية.

فعلى سبيل المثال.. أثبتت الدراسات الأحفورية أن طائر الخفاش كان أصله من القوارض، لكن مع محاولاته العديدة للطيران، أصبحت له طفرة جينية، سمحت له بظهور الأجنحة.

لكن السؤال أو التحدي الحقيقي لمنظومة التعليم، هل الخيال مهارة تدرس وتصقل، أم أنه فطرة قد توجد في بعض الأشخاص. قد يكون جوابي يشمل الفرضيتين، سواء كان الخيال مهارة أو فطرة، حيث جرأة الخيال هي العنصر والعمود الأساسي لتقوية مخيلة الباحثين والطلاب في قطاع التعليم لدعم الإبداع والابتكار في المجتمع.

وخطوة البداية تكمن في معرفة كيفية زرع ثقافة الخيال في قطاعنا التعليمي في وقت مبكر، حيث نلاحظ غياب تدريسه وتشجيع ممارسته في معظم المناهج والمساقات العلمية، بحجة أن المجالات العلمية والتقنية تحتاج إلى العنصر التحليلي العملي، لكن كما ذكرت، سابقاً، أن معظم النظريات العلمية والهندسية استلهمت من مخيلة الطبيعة، لذلك نجد الجامعات المرموقة أوجدت تخصصاً يسمى biomimicry أو تقليد الأحيائي باللغة العربية. ومن المفارقات.. أن معظم داعمي هذا التخصص هم من رواد الأعمال، أمثال: بيل غيتس وألون ماسك، ومن هنا تجب الإشارة إلى أن أحد أسباب انتشار وصعود مجال ريادة الأعمال في وقتنا الحالي، هو الاعتماد والتقبل المتجدد للخيال لتطوير هيكلية القطاع. لذلك تدريس فكرة ريادة الأعمال قد يكون من الحلول التي تسهم في مقدرة التخيل في قطاعنا التعليمي.

عنصر الخيال كان، دائماً، أكبر محفز للإنتاج العلمي والبحثي، وغيابه قد يكون له تأثير كبير في تثبيط عجلة الاكتشافات العلمية، كما ذكر لنا التاريخ، لكن أجد نفسي متفائلاً جداً في دولة الإمارات، حيث توجد منشآت حكومية، كوزارة المستقبل، ومبادرات كعام القراءة وعام الابتكار، التي ستصنع لنا جيلاً يجد في نفسه الخيال لغدٍ أكثر إشراقاً، وإبداعاً.. لكن يجب أن نتذكر، دائماً، أن استمرارية المبادرة أهم من المبادرة نفسها.

- باحث أكاديمي جامعة نيويورك أبوظبي

تويتر