أصحاب همم طالبوا بحرّية الاختيار وتوفير المراجع بصيغ مساعدة.. و«التربية» تؤكد دعمها لهم

مناهج الدراسة لا تراعي المعاقــين بصرياً.. والجامعــات تلزمـهم بتخصــصات محدّدة

صورة

أكد أصحاب همم من ذوي الإعاقة البصرية وجود معوقات تحول دون استكمالهم دراستهم الجامعية في تخصصاتهم المفضلة داخل الدولة وخارجها، فضلاً عن عدم استفادتهم من الإمكانات والتسهيلات الممنوحة لأقرانهم من الطلاب الجامعيين، الذين لا يعانون إعاقات.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إنهم لم يُقبَلوا في تخصصات جامعية يرغبونها، على الرغم من تحصيلهم المعدلات المطلوبة، عازين ذلك إلى إعاقتهم البصرية. كما أكدوا أنهم يواجهون صعوبات نتيجة عدم استطاعتهم الوصول إلى الكتب والمراجع الدراسية، بسبب عدم جاهزية الوسائل والفصول التعليمية لحالاتهم، مطالبين بخطة منهجية يطبق على أساسها ما ينص عليه القانون من حقوق التعليم لأصحاب الهمم، إضافة إلى وضع آلية للرقابة، تضمن التزام المؤسسات التعليمية المعنية بتطبيق الخطة.

وأكد مسؤول عن تنفيذ السياسات المتعلقة بحقوق أصحاب الهمم في الدولة، وجود ثغرة بين التشريع القانوني والتطبيق العملي، لما ينص عليه القانون من حقوق متساوية في التعليم الجامعي بين أصحاب الهمم وأقرانهم، مستغرباً «البطء في تفعيل بنود القانون، في وقت تعيش الدولة والعالم ثورة رقمية، ويبزغ عصر الذكاء الاصطناعي».

في المقابل، قالت وزارة التربية والتعليم - شؤون التعليم العالي، إنها حريصة على توفير سبل الدعم كافة لأصحاب الهمم، لاستكمال دراستهم الأكاديمية، لافتة إلى ابتعاث 26 طالباً منهم لاستكمال دراستهم في الخارج.

وأكد وزير الدولة لشؤون التعليم العالي، الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، أن «الوزارة مسؤولة عن توفير مقعد دراسي في الجامعات لكل طالب، بغضّ النظر عن حالته الصحية، سواء كان من أصحاب الهمم أو من الأصحاء».

وأفادت كليات التقنية العليا بأنها أطلقت، خلال العام الدراسي الجاري، خدمة إلكترونية تحت مسمى «خدمة أصحاب الهمم»، لتمكين الطلبة، من هذه الفئة، من إنجاز إجراءاتهم الأكاديمية بشكل سريع وسلس، من دون الحاجة إلى التوجه إلى إدارة شؤون الطلبة.


قال أصحاب همم من ذوي الإعاقة البصرية إن الجامعات غير مهيأة لاستقبالهم كطلبة، بسبب غياب المناهج الدراسية المتخصّصة التي تستهدف شريحتهم.

وأكدت منى الحمادي، التي تجاوزت تحديات الإعاقة البصرية، وتمكنت من الحصول على الماجستير ثم الدكتوراه، وحقّقت هدفها بالعمل أستاذة في الدراسات الإماراتية في جامعة زايد، أنها واجهت مشكلات عدة عقب إنهائها المرحلة الثانوية، بدءاً من اختيار التخصّص الجامعي، ومروراً برفض ابتعاثها لاستكمال الدراسة في الخارج، ووصولاً إلى فشلها في الحصول على عمل مناسب.

وقالت إن ذلك كله ارتبط بإعاقتها البصرية، شارحة أنها كانت ترغب في دراسة تخصص التربية، لكن طلبها قوبل بالرفض من إدارات الجامعات،بسبب إعاقتها البصرية، على الرغم من أنها كانت من المتفوقات في المدرسة، وحاصلة على درجات مرتفعة تؤهلها لدراسة هذا التخصص، وهو ما اضطرها إلى دراسة تخصص التاريخ دون رغبة منها، كما تقول.

وتابعت الحمادي أن «إدارات القبول في الجامعات قد ترفض تسجيل أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة البصرية في بعض التخصّصات، من دون النظر إلى قدرتهم على التميز والإبداع»، لافتة إلى أنها قدمت طلباً عام 1999 لابتعاثها إلى الخارج لاستكمال الدراسات العليا، بعد حصولها على البكالوريوس، لكن إدارة القبول والتسجيل الجامعي رفضت طلبها، بحجة أن إعاقتها البصرية لن تمكنها من ذلك، معتبرة أن «ذلك يعد إجحافاً، ولا يراعي رغبات الطالب، إذ يُقيَّم حسب إعاقته وليس وفق قدراته ومهاراته العلمية والأكاديمية».

كتب

قال الدكتور أحمد الشامسي إن إحصائية من المنظمة العالمية للملكية الفكرية بيّنت أن نسبة الكتب التي يستطيع أن يقرأها المعاقون بصرياً، ومن يعانون ضعف نظر أو عسراً في القراءة بالدول المتقدمة، لا تتجاوز 5%، مقارنة بما هو متاح لعامة الجمهور، فيما تقلّ النسبة عن 1% في دول الوطن العربي.


أرقام

بلغ العدد التقديري لأصحاب الهمم الإماراتيين في دبي نحو 3600 شخص، وكشفت هيئة تنمية المجتمع، في نهاية العام الماضي، أرقاماً إحصائية لافتة، تشير إلى أن الإعاقة البصرية تحتل النسبة الأعلى بين الإعاقات المتعارف عليها لدى الإماراتيين في الإمارة، إذ بلغت نسبتها 27% من المجموع الكلي للإعاقات.

وجاءت الإعاقات الحركية في المرتبة الثانية بنسبة 22%، متقدمة على الإعاقات النمائية المتصلة بالقدرات الذهنية، التي بلغت نسبتها 20%، كما تبيّن أن الإعاقة السمعية تمثل نحو 6% من مجموع الإعاقات في دبي.


دراسة مفصّلة

كشف المؤتمر الدولي للتعليم المهني والتوظيف الدامج، الذي نظمته هيئة تنمية المجتمع في دبي، أخيراً، عن نقص في مجال الأبحاث التخصصية المطلوبة لتقييم وضع أصحاب الهمم في الدولة.

ولفت إلى عزم الهيئة إجراء دراسة خلال العام الجاري، بالتعاون مع دور خبرة عالمية في مجال تمكين أصحاب الهمم، إضافة إلى التنسيق مع الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية، لإدراج بيانات أصحاب الهمم ضمن ملف تسجيلهم في نظام الهوية، لتكون مرجعاً عند وضع أي خطة لإيجاد حلول لتحدياتهم.


محمد الغفلي:

• «عدم كتابة المعلومات للطلاب بطريقة برايل، يحول دون الحصول عليها بسهولة».

الطالبة «شيماء»:

• «أصحاب الهمم مسؤولون عن التمسك بحقوقهم والدفاع عنها، لأن القانون يكفلها لهم».

وقالت الحمادي إن «القانون الإماراتي يكفل حقوق أصحاب الهمم، إلا أنه يفتقد آلية للرقابة على تنفيذه، لاسيما عندما يتقدم أصحاب همم للدراسة في الجامعات أو بطلبات ابتعاث إلى الخارج».

وشرحت أنها تقدمت مرة أخرى للعمل معيدة مبتعثة للدراسة في الخارج، لكن طلبها رفض مجدداً، مضيفة أنها قضت سنتين بعد البكالوريوس تبحث عن عمل، دون أن تتمكن من الالتحاق بأي وظيفة مناسبة، على الرغم من تخرجها بتقدير عالٍ، إذ كان طلبها يُستثنى عند اكتشاف إعاقتها البصرية، ويُعيّن آخرون متخرجون بدرجات أقل بكثير من درجاتها.

وتابعت الحمادي: «كان يحكم عليّ بعدم الكفاءة بسبب إعاقتي، وليس على أساس قدراتي التعليمية والوظيفية، وهو ما ينافي معايير التقييم الموضوعي».

واستعرض الإعلامي والشاعر والممثل المسرحي، محمد الغفلي، تجربته مع التعليم الجامعي، شارحاً أن إدارة القبول والتسجيل حوّلته للدراسة في تخصّص العلاقات العامة، على الرغم من أنه تقدم للدراسة في قسم الإذاعة والتلفزيون، وقال إن السبب في ذلك هو عدم جاهزية الفصول الجامعية بالأدوات والوسائل التعليمية المطلوب توافرها في كل تخصص، حتى يتمكن الطلاب أصحاب الهمم من الالتحاق بالتخصصات التي يرغبونها، مادامت درجاتهم العلمية تؤهلهم لذلك، معتبراً أن «ذلك يحرم الطالب حقاً منحه له القانون».

وأكد الغفلي (حاصل على بكالوريوس في العلاقات العامة، ويدرس الماجستير في الإدارة العامة)، ضرورة وجود سياسة واضحة لدى إدارات الجامعات في الدولة، تعرض الإمكانات التي تمتلكها، والإجراءات المختلفة التي تنفذها من أجل تطبيق القانون، الذي ينصّ على وجوب حصول أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة البصرية على حقوقهم التعليمية بالتساوي مع غيرهم من الطلاب.

وقال إنه لايزال يعاني في دراسته الجامعية المشكلات نفسها، علماً أنه درس في جامعتين مختلفتين، مشيراً إلى صعوبة الوصول إلى المعلومات، لأنها ليست مكتوبة بطريقة برايل، الأمر الذي يتطلب مجهوداً شاقاً للقيام بالمتطلبات الدراسية.

أما الطالبة (شيماء.م)، التي التحقت بالجامعة حديثاً، فقالت إنها مصرّة على حقها في دراسة التخصص الذي ترغبه، وإنها ستنتزعه بقوة القانون، إذا اضطرت إلى ذلك، معربة عن قلقها من عدم قبولها للدراسة في قسم التربية، الذي تتمسك بالتخصص فيه، لأنها تحب الأطفال وتجيد التعامل معهم، كما تقول.

واعتبرت أن «الأشخاص الذين لديهم إعاقة بصرية، وغيرهم من أصحاب الهمم، مسؤولون عن التمسك بحقوقهم، والدفاع عنها، لأنها مكفولة لهم بقوة القانون»، مشيرة إلى أن إدارة الجامعة حوّلت صديقة لها لدراسة علم النفس، على الرغم من تقدمها بطلب لدراسة التربية، بسبب إعاقتها، فلم تعترض، على الرغم من أن القانون يقف في صفها.

إلى ذلك، قال رئيس المجلس الاستشاري لأصحاب الهمم نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمعاقين بصرياً، الدكتور أحمد الشامسي، إن «المشكلة الحقيقية هي عدم وجود سياسة واضحة لدى وزارة التربية والتعليم، تلزم الجامعات الحكومية والخاصة بتقديم احتياجات ذوي الهمم، المعاقين بصرياً، على الرغم من أن المادة 14 في القانون الاتحادي رقم 29 لعام 2006، الخاص بحقوق المعاقين، تكفل حقوق ذوي الإعاقة بشكل عام»، مؤكداً وجود «مسافة بين التشريع القانوني، الذي يضمن حصول أصحاب الهمم على حقوقهم بالتساوي مع أقرانهم الآخرين، والتطبيق الفعلي له».

وأضاف: «ليس هناك ما يدعم ويحفظ حق الطالب المعاق بصرياً، في دخول الجامعة، بدءاً من التسجيل إلى اختبار تحديد المستوى، كما أن هناك غياباً للمناهج الدراسية والمراجع العلمية»، عازياً ذلك إلى «عدم وجود سياسة واضحة لدى الجامعات، ترعى حقوق الطالب المعاق بصرياً من لحظة تقديمه للالتحاق بالجامعة، مروراً بقبوله بالتخصص، والتعامل مع احتياجاته الدراسية والإنسانية خلال دراسته، ووصولاً إلى ضمان تمتعه بالمساواة مع الطلاب الآخرين».

وأبدى الشامسي استغرابه من عدم إلزام المؤسسات التعليمية بتطبيق القانون، وترك حرية التصرف لها، وعدم الضغط عليها.

واستعرض التحديات التي تواجه المعاقين بصرياً خلال دراستهم الجامعية، مؤكداً أن «الطالب المعاق بصرياً لا يحصل على الوسائل التعليمية، كما ينبغي، ولا يحصل على الدعم اللازم، سواء كخدمة من الجامعة أو كدعم مالي للحصول على هذه الخدمة بنفسه».

وأكد الشامسي أن «المراجع والكتب الموجودة في المكتبات الجامعية غير جاهزة أو مصممة ليقرأها الطالب الكفيف، فكيف يمكنه إعداد بحث أو مشروع للتعليم العالي في مرحلة البكالوريوس، أو الماجستير، أو الدكتوراه، من دون توفير معلومات؟!»، معرباً عن استغرابه من عدم اتخاذ خطوة فعلية في هذا الاتجاه، تتضمن علاجاً جذرياً للمشكلة، على الرغم من أننا نعيش عصر الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي.

من جانبها، أفادت كليات التقنية العليا بأنها تعمل على توفير البيئة التعليمية المناسبة لأصحاب الهمم، خصوصاً على مستوى المباني والخدمات والمرافق، إضافة إلى فرص الدعم الأكاديمي، التي تلبي احتياجاتهم وتدعم تجاوزهم أي عقبات دراسية، لافتة إلى أنها أطلقت، في العام الدراسي الجاري، خدمة إلكترونية تحت مسمى «خدمة أصحاب الهمم»، لتمكينهم من إنجاز إجراءاتهم الأكاديمية بشكل سريع وسلس، من دون حاجة إلى التوجه إلى إدارة شؤون الطلبة.

وقال مدير مجمع كليات التقنية العليا، الدكتور عبداللطيف الشامسي، إن الطلبة من أصحاب الهمم يمثلون جزءاً مهماً من منظومة التعليم في الكليات، من منطلق أن كل عنصر إماراتي يمثل ثروة وطاقة حقيقية يجب استثمارها بالشكل الأمثل، وفتح الأبواب أمامها، لأخذ فرصها الحقيقية في التعليم، وأن عملية توفير البيئة التعليمية المناسبة لهذه الفئة تدعم تحقيق رسالة الكليات «التعليم للجميع» ضمن رؤيتها الجديدة «الجيل الثاني».

وأضاف أن الكليات نجحت في السنوات الماضية في تخريج العديد من الطلبة من أصحاب الهمم، كما أن لديها حالياً أكثر من 400 طالب وطالبة ممن يعانون تحديات بصرية وسمعية وحركية، وهم يدرسون تخصصات مختلفة، لافتاً إلى أنهم حققوا تقدماً أكاديمياً، وبعضهم في سنوات التخرج.

وأكد أن مباني الكليات مصمّمة بطريقة تخدم احتياجات «أصحاب الهمم»، خصوصاً من لديهم تحديات بصرية وحركية، بما يمكنهم من الاعتماد على ذواتهم بشكل أكبر، والاستفادة من التجهيزات والإمكانات الدراسية الحديثة، والمرافق والخدمات المتوافرة في الكليات، بما يدعم دراستهم، ويساعدهم على التخرج.

وأفاد مدير إدارة شؤون الطلبة في كليات التقنية العليا، أحمد الملا، بأن الطلبة من أصحاب الهمم الملتحقين بالكليات، يبلغ عددهم نحو 412 طالباً وطالبة، وهم ممن لديهم تحديات مختلفة تشمل التحديات السمعية، وصعوبات التعلم، والصعوبات الحركية، وصعوبات النطق والكلام، والتحديات البصرية، وجميعهم يتم دعمهم من خلال البيئة التعليمية، من حيث المباني المصمّمة بشكل يسهل حركتهم وتنقلهم فيها، إضافة إلى وعي الكادر التدريسي بطبيعة الطلبة الذين يقومون على تدريسهم من أصحاب الهمم، لدعمهم أكاديمياً، واهتمام الكليات بطبيعة كل طالب، من خلال توفير المكان والآلية المناسبة له، وإعطائه المساحة الزمنية التي يحتاج إليها، في ظل طبيعة التحدي الذي يعانيه.

وقال وزير الدولة لشؤون التعليم العالي، الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، إن «الوزارة مسؤولة عن توفير مقعد دراسي في الجامعات لكل طالب، بغضّ النظر عن حالته الصحية، سواء من أصحاب الهمم أو من الأصحاء»، وأضاف: «وفرنا منحاً دراسية داخلية في الدولة لأصحاب الهمم في عدد من الجامعات، من منطلق مسؤولية الوزارة تجاه المواطنين، ويشمل ذلك ضمان حصولهم على تعليم جيد في التخصصات التي يرغبون في دراستها». وتابع أن «الجامعات الاتحادية لديها المعامل والخدمات المناسبة للطلبة من هذه الفئة، بما يسهل إنجازهم الدراسي في الجامعة، والدراسات العليا».

تويتر