الغش في الامتحانات بالمحمول والساعة والـ «إم بي 3»

وزارة التربية ترفض تفتيش الطلاب قبل الدخول إلى الامتحانات وتعتبره سلوكاً غير تربوي.              تصوير: محمد حكيم

حقق طلاب في الثانوية العامة حلم مدرسيهم وآبائهم في بناء علاقة مميزة مع التكنولوجيا الحديثة. ولكن الحلم لم يكن سعيداً، لأن الطلاب استخدموا هذه التكنولوجيا بطريقة لا تنسجم مع الهدف الذي وضعت من أجله.

هذا ما أكده مديرو مدارس وطلاب شاهدوا زملاء لهم يستعدون لخوض الامتحانات قبل دقائق من موعدها، من خلال التأكد من سلامة الوصلات، ومستوى الصوت.

وبحسب ما ذكروه لـ «الإمارات اليوم» فإن هناك طرقاً حديثة للغش، يمارسها طلاب الثانوية العامة، منها الغش عن طريق استخدام الهاتف النقال، إذ يُربط الهاتف بسماعة بلوتوث صغيرة جداً توضع داخل الأذن، ولا تُرى إلا عن قرب، وبتركيز شديد. ويتصل الطالب بشخص ما، مثل مدرسه الخصوصي، أو أي شخص آخر، لتلقينه الإجابات بكل دقة.

وقالوا لـ «الإمارات اليوم» إن هناك طرقاً عدة أخرى، مثل استخدام ساعة يد متطورة من نوع «كاسيو» لتصوير كل صفحات الكتاب، ويقلب الطالب الصفحات المخزنة على ساعة يده وهو جالس في قاعة الامتحان بسهولة. كما يمكن استخدام كاميرا دقيقة، صغيرة الحجم، لتصوير الورقة الامتحانية، إذ توضع في الساعة.. وتكون متصلة بجهاز التليفون النقال، وسماعة صغيرة توضع في الأذن، إضافة إلى استخدام جهاز «إم بي 3»، بعد تسجيل المعلومات عليه، ولصق «أوراق الغش» أسفل الحذاء.

وطالبوا بتفتيش الطلاب قبل دخولهم إلى الامتحان، واستخدام تقنيات الراديو للكشف عن وجود أي هاتف محمول، أو جهاز آخر مع الطلاب داخل اللجان. موضحين أن السماعات تكون مغطاة أسفل «الغترة» أو شعر الطلاب أو تكون مخفية تحت حجاب الطالبات أو «الشيلة» أو تحت شعرهن الطويل، حتى لا يحصل الطلاب الغشاشون على درجات مرتفعة عن طريق السرقة، دون وجه حق، في ظل العناء الذي يواجهه الطلاب المتفوقون في المذاكرة من أجل الحصول على درجات تؤهلهم لحجز مقاعد في الجامعات، تمنوها، وسعوا إليها بجد وجهد حقيقيين.

سلوك غير تربوي

في المقابل، أكد مدير عام وزارة التربية والتعليم بالانابة علي ميحد السويدي، أنه لا يمكن تفتيش طلاب الثانوية العامة قبل دخولهم إلى قاعات الامتحان، لأن «هذا سلوك غير تربوي، والوزارة تسعى إلى خلق ثقافة وسلوك تربويين سليمين عند جميع الطلاب».

وتابع: «ليس معنى أن هناك قلة يمارسون عملية الاحتيال والغش داخل اللجان أن نفتش كل طلاب الثانوية العامة، ناهيك عن أن أسلوب التفتيش سيشكل عامل ضغط على الطلاب الذين يكونون متوترين بطبيعتهم قبل أدائهم الامتحان وقلقين من الأسئلة والنتائج المترتبة على إجاباتهم».

وأشار السويدي إلى أن «الطالب يأتي إلى الامتحان لقياس مستواه ومعرفة قدراته، وليس للتعرض للتفتيش»، مؤكداً أنه لابد من زرع الثقة في نفوس الطلاب وعدم الضغط عليهم، لافتاً إلى أن الوزارة «لن تطبق عمليات تفتيش لطلبة الثانوية العامة قبل دخولهم قاعة الامتحان للكشف عما قد يخفونه داخل ملابسهم، لأنها تعتبر ذلك سلوكاً غير تربوي».

وطالب السويدي مراقبي لجان الامتحان وإدارات المدارس بتشديد الرقابة على الطلاب الممتحنين، ومتابعة العمل داخل اللجان بدقة. كما طالبهم بالتركيز على الطلاب الغشاشين، واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاههم.

 

 الأخلاق والرقابة

 

قال معلم في مدرسة حكومية، رفض ذكر اسمه، إن «التكنولوجيا الحديثة تتيح للطلاب غير المؤهلين لخوض الامتحانات، إمكانات كبيرة للغش، وتاليا النجاح، وربما تحقيق معدلات عالية تؤهلهم لدخول الجامعة، واختيار التخصصات التي يريدونها، ومواصلة مشوارهم الدراسي حتى نهايته، في حين سيكون على طلاب آخرين، كدوا في الدراسة طويلاً، ووصلوا الليل بالنهار، أن يعودوا بضع خطوات الى الخلف، ويرضوا بما يظنون أنه مصيرهم الطبيعي».

وأضاف أن رفض وزارة التربية والتعليم إخضاع الطلاب للتفتيش، باعتبار أن هذا الإجراء «سلوك غير حضاري» هو موقف جدير بالاحترام، معتبراً أن «مسوغاته حقيقية». ولكنه تساءل عن إمكان معالجة الغش بالتقنيات الحديثة بتقنيات موازية، بدلاً من الاعتماد على الجانب الأخلاقي فقط، موضحاً أن «هناك أجهزة تحول دون الطلاب وإخفاء أجهزة الهاتف المحمول أو الـ(إم بي ثري) أو غيرها من الأدوات المشابهة في ثيابهم، أو تحت ياقات قمصانهم، يمكن الإفادة منها».

وتابع: «إن تحصين الطالب ضد هذا النوع من السلوكيات، أخلاقياً، هو غاية تربوية لا تقل أهمية عن الغاية الدراسية التي ينشدها والد الطالب ومعلمه، ولكن إذا تبين أن هناك طلابا يلجأون الى هذا السلوك لحصد مزيد من العلامات من دون أن يكونوا جديرين بها فعلاً، فينبغي اتخاذ إجراء على الأرض، وإلا وجد الطالب المستقيم في ذلك دعوة خفية إلى أن يجرب هو الآخر حظه في الغش».

 

الرد من الطرف الآخر

وقالت والدة الطالبة (ي.ج) إن هناك طلاباً وطالبات يمارسون أحدث طرق الغش في امتحانات الثانوية العامة، مطمئنين إلى صعوبة اكتشافهم. وأوضحت أن ابنتها أخبرتها بأن بعض زميلاتها يستخدمن سماعة البلوتوث الدقيقة جداً، إذ تكون مرتبطة بهاتف نقال دون وجود حاجة إلى أسلاك متصلة بها. وتوضع داخل الأذن، فإذا وقف مراقب اللجنة بجوار الطالب أو الطالبة، فلا يمكنه سماع الصوت الصادر من الجانب الآخر، سواء كان مدرساً خصوصياً أو أي شخص آخر، إذ يقرأ الطالب السؤال حين تسنح له الفرصة لذلك، ثم ينتظر الرد من الطرف الآخر.

وتابعت أنه يمكن لطلاب في لجان مختلفة أن يكوّنوا اتصالاً جماعياً عبر هواتفهم النقالة، مرتبطين بشخص آخر لتلقي الإجابات منه، إذ يتحدث هؤلاء عدداً أقل من الكلمات حتى لا يثيروا انتباه مراقبي اللجان.

وذكرت أن قيمة السماعة الدقيقة التي توضع داخل الأذن، تراوح ما بين 1500-1700 درهم في الأيام العادية. ولكن تلك القيمة تزيد أيام الامتحانات، إذ تصل إلى أكثر من 3000 درهم.

الغش في الثياب

وذكرت طالبة في إحدى المدارس في أبوظبي (ه. أ) أن هناك طرقاً أخرى للغش، منها جهاز «إم بي 3» واستخدام سماعات التليفون اللاسلكية التي تتطلب وجود سلك قريب من السماعة الموضوعة داخل الأذن.

وقالت إنه للتغلب على عدم السماح للطالبات بارتداء العباءة داخل لجان الامتحانات يثبت بعضهن الهاتف أو جهاز «أم بي 3» على أجسادهن، حيث لا يمكن أن يراه أحد، وفي وضع صامت حتى لا يكتشف أمرها في حال وضعه على رنين أو اهتزاز، وتتصل الفتاة بالشخص الآخر لدعمها بحل الاسئلة، قبل دخولها إلى قاعة الامتحان.

وأضافت أن بعض الطالبات يرتدين البلوزات المغلقة والحجاب لتغطية الرقبة والأذنين، لاخفاء السلك الموضوع حول الرقبة لأهمية وجوده بالقرب من السماعة الدقيقة الموضوعة داخل الأذن.

كما يرتدي طلاب كندورة مغلقة الرقبة لإخفاء السلك الملفوف حول الرقبة أسفل الغترة. واستغربت الطالبة عدم تفتيش الطلبة أو الطالبات في امتحان الثانوية العامة إلا إذا دارت الشكوك حول أحدهم. وبهذا يمكن للطلبة والطالبات إخفاء وسائل الغش بسهولة داخل ملابسهم. وقالت إنها عملت على كشف هذا السر لأنها ذاكرت بجد من أجل الحصول على درجات مرتفعة في الامتحانات، ولكنها فوجئت بأن طالبات أقل منها في المستوى حصلن على درجات كبيرة بسبب وسيلة الغش الحديثة.

الطالب الأحق

وقالـت مـديـرة مدرسـة أم عمـار الثانــوية أمينة الماجد، إنها اكتشفت حـالـة غــش في عـام 2005 في المدرسة التي كانت تعمل فيها سابقاً، إذ كانت هناك طالبة تطالع الساعة كل لحظة فلاحظت مراقبة اللجنة ذلك، وتركت الفتاة حتى تتأكد من شكوكها فزادت الطالبة من النظر الى الساعة. وهنا اقتربت منها المراقبة، وتبين أنها ترتدي ساعة حديثة من نوع كاسيو مخزناً عليها موضوعات من الكتاب المدرسي على هيئة صور.

وذكرت مديرة مدرسة فلسطين للتعليم الثانوي شيخة الزعابي، أنها رصدت إحدى حالات الغش في امتحانات المنازل قبل ثلاثة أعوام داخل المدرسة، إذ كانت هناك طالبة تستخدم الهاتف النقال عن طريق ربطه بسماعة أخفتها أسفل شعرها، ووضعت الطالبة الهاتف في جيبها الخلفي، والسلك داخل ملابسها. ولكن المراقبة لاحظت ذلك واتخذت الإجراء اللازم حياله. وقالت إن عمليات الغش تشعرها بأسى عميق، لأن الطالب يشعر فجأة بأن مستقبله الدراسي مهدد، فيحاول فعل أي شيء حتى لا يفقد الأمل في إمكان التعويض. ولكن المشكلة أن نجاحه بهذه الطريقة يعني أنه أخذ شيئاً لا يستحقه، وأنه يجلس في مقعد دراسي كان هناك طالب آخر أحق بالجلوس عليه.

تويتر