تدنيس منزل الزوجية في بث حي

استوقفتنا هذه القضية كثيراً حين عرضت علينا، فتفاصيلها غريبة إلى حد كبير.

خلافات أسرية احتدمت وتصاعدت بين زوجين، ووصل الشقاق إلى درجة التعدي بالسب والضرب على الزوجة، لكن هذا ظل طبيعياً إلى أن غادرت منزلها في إجازة تاركة زوجها بمفرده.

وذات يوم غلبها فضولها لمتابعة ما يحدث في مسكن الزوجية من خلال كاميرات المراقبة التي كانت تثبتها في غرفة نومها لمتابعة ابنتها، فصدمت برؤية رجل تعرفه جيداً، هو صديق زوجها في وضع غير لائق مع امرأة تدرك أنها غريبة عنه، فحرصت على تسجيل الواقعة بالفيديو والصور وعادت سريعاً لمواجهته بواقعة تدنيس منزلهما.

وكان رد فعل الزوج عنيفاً، إذ اعتدى عليها بالضرب والشتم، فأدركت أن هذه خاتمة علاقتهما سوياً، وحملت أدلتها إلى المحكمة مع إفادة الشهود الذين أكدوا تعرضها للعنف الممنهج من قبل زوجها!

وبمواجهته من قبل المحكمة بالمقاطع المصورة لصديقه في غرفة نومه، برر ذلك بأن الأخير أتى لبيته مع زوجته من بلديهما، وطلب قضاء ليلة لأن حجز الفندق الخاص به سوف يبدأ اليوم التالي، فترك لهما غرفة النوم، حتى يكونا على راحتهما.

وفي هذا الخصوص، استوقفنا أمر مهم، هل يختلف موقف المحكمة حيال الواقعة، إذا كانت المرأة التي كانت برفقة صديق الزوج هي زوجته بالفعل، أم امرأة غريبة عنه، لاسيما أن الواقعة في حد ذاتها غير مألوفة أو لا تتكرر كثيراً في قضايا الأحوال الشخصية المتعلقة بتطليق الضرر؟

والإجابة جاءت واضحة ومفصلة في حيثيات الحكم، إذ انتهت المحكمة إلى أنه بغض النظر عن عدم تقديم الزوج لدليل قاطع على أن المرأة زوجة الصديق، وبافتراض صحة روايته غير المثبتة، فإنها ترى أن مجرد السماح لشخص غريب باستخدام مسكن الزوجية لهذه الممارسات لا يتفق مع الشرع والقانون.

وقالت المحكمة بوضوح إن التشريع الإسلامي لم يترك مسكن الزوجية لرياح العاطفة والمزاج الذاتي، بل شرّع ضوابط وحدوداً واضحة ومن ثم رأت أن هذا التصرف تسبب في وقوع الضرر على الزوجة، فضلاً عن تعرضها للضرب والسب وقضت بتطليقها ومنحها حقوقها كاملة.

يتصرف البعض أحياناً بشيء من الاستهتار في ما يتعلق بمسكن الزوجية، خصوصاً عند غياب ربة المنزل وصاحبته التي تتمتع بالحقوق كافة، لحمايته من أي تدنيس، سواء من قبل الزوج أو أي طرف غريب أو حتى قريب، فللبيوت حرمة، أكد عليها الشرع والقانون، كما يتضح من هذا الحكم، الذي صيغ بعبارات رائعة حازمة.

ربما لا تكون القضايا الأسرية بالتعقيد القانوني ذاته الذي تتسم به الدعاوى المدنية، خصوصاً تلك المتعلقة بنزاعات تجارية أو مالية، لكنها تظل بلا شك من النزاعات المكلفة إنسانياً وأخلاقياً.

ونحن بوصفنا قانونيين نقف أحياناً عاجزين عن فهم سر التحول الرهيب من المحبة والود والألفة إلى اللد في الخصومة والعداوة.. هدى الله الجميع.

محكم ومستشار قانوني

تويتر