حتى لا نتورط بحسن نية

هلّ علينا شهر رمضان الفضيل بنسائمه الروحانية، وأيامه المباركة التي نحرص فيها على بذل الصدقات وفعل الخير، ممنين النفس بقبول صالح الأعمال، لكن في المقابل هناك أشخاص يستغلون هذه الحالة الوجدانية للتلاعب بمشاعر الناس، وانتزاع الصدقات منهم بأساليب مختلفة، أخفها في الوقت الراهن التسول في صورته التقليدية، من خلال الطلب المباشر للمال في أماكن التجمع، خصوصاً المساجد.

وفي ظل هيمنة السوشيال ميديا، وسهولة التواصل، تطورت هذه الأساليب، فأصبح التسول إلكترونياً عن بعد، سواء عن طريق إعلانات تظهر بشكل عشوائي عبر هذه المنصات، أو من خلال رسائل عشوائية ترد أحياناً عبر خدمة الرسائل في «فيس بوك»، أو تطبيقات الدردشة مثل «واتس أب».

وتكمن خطورة هذه الأساليب في أن المتبرع لا يعرف غالباً الطرف الآخر، ولا يمكن أن يراه، ومن الوارد أن يكون واجهة لكيانات ظلامية، فلا يقتصر خطأ فاعل الخير في هذه الحالة على مجرد التبرع لشخص غير معروف، بل يتجاوز إلى التورط في تمويل تنظيمات أو جماعات قد تكون متطرفة أو إجرامية!

وهذه الأخطاء ليست متصورة لمجرد التحذير من أفعال مبنية على حسن النية، بل تستند إلى حالات واقعية، بدأت باستجداء لمساعدة أطفال مشردين، أو حفر بئر في قرية نائية، وغيرها من الروايات التي ينسجها طالبو المال للتلاعب بمشاعر فاعلي الخير، من قبل مجهولين، وتنتهي بصدمة للمتبرع!

وهنا يجب التنويه بدور الدولة في توفير الجهات المرخصة لتلقي التبرعات، لأنها تمثل ضمانة حقيقية لوصول الصدقات إلى الفئات الأكثر احتياجاً.

وعززت الدولة ذلك بسن تشريعات تحظر جمع التبرعات دون ترخيص، وبحسب المادة رقم 46 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية «يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 200 ألف درهم، ولا تزيد على 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشرف عليه، أو نشر معلومات عن الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل التقنية للدعوة أو الترويج لجمع التبرعات دون ترخيص معتمد من السلطات المختصة أو بالمخالفة لشروط الترخيص».

بذل الصدقات أمر عظيم، سواء في شهر رمضان أو أي وقت من العام، ولا ينعكس بالخير على متلقيها فحسب، بل تمنح المتصدق الراحة النفسية، وتعزز بداخله قيماً نبيلة مثل العطاء والمشاركة، وتجرده من الأنانية والانكفاء على الذات، لكن يجب ألا يقتصر عطاؤنا على منح المال فقط، بل يجب التدقيق وبذل الجهد لضمان وصوله إلى مستحقه.

إن دولة الإمارات العربية المتحدة رمز للخير والعطاء، وتمتد أياديها البيضاء إلى بقاع الأرض كافة، دون تمييز بين عرق أو لون أو دين، لذا حين تنادي بضرورة توجيه التبرعات إلى المؤسسات المرخصة، يجب أن نستجيب، وكلنا ثقة بأن هناك جهات ثقات حريصة على المانحين والمحتاجين بقلوب يملؤها الخير.

محكم ومستشار قانوني

تويتر