استثمار المستقبل

تعرف قيمة الدول بحجم اهتماماتها بالفئات الضعيفة التي لا تستطيع دفع الضرر عن نفسها، في مقدمتها الأطفال.

وفي حين نطالع ممارسات قاسية يندى لها الجبين في كثير من البلدان التي تنتهك فيها حقوق الأطفال، مثل إجبارهم على العمل في سن مبكرة، وإساءة معاملتهم، وحرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية كالتعليم والصحة والرعاية اللائقة، يحظى الطفل في الإمارات برعاية استثنائية تحصنها قوانين بالغة الصرامة تتعلق بحقوقه والامتيازات التي يجب أن يحصل عليها.

الكلام في هذا الجانب يطول في ظل احتفال الدولة أخيراً بيوم الطفل الإماراتي، لكن تظل هناك ضرورة ملحة لتوعية الآباء بشكل مستمر بالدور المنوط بهم لتوفير بيئة صحية لأبنائهم، خصوصاً مع زيادة المخاطر الافتراضية عبر الإنترنت وتحديداً شبكات التواصل الاجتماعي!

إن واقعة فردية لا يمكن أن تُمحى من ذاكرتنا حين توفيت الطفلة «وديمة» نتيجة سوء المعاملة، كانت كفيلة بأن تتحرك الدولة بوعي وجدية لتسن قانوناً متكاملاً في شأن حقوق الطفل رقم (3) لسنة 2016 الذي عرف باسمها، ليكون مظلة تحمي الطفل من أي مخاطر أو تهديدات ويضع كل طرف أمام مسؤوليته، سواء كان الأبوين أو المدرسة أو أي جهة أخرى ذات صلة بأطفال.

أطفالنا فلذات أكبادنا، ونحن مسؤولون عن رعايتهم وحمايتهم من أي أذى، لكن لم ترفع الدولة يدها تاركة الأمر لضمائرنا، بل أرست قواعد واضحة تتيح لها التدخل الفوري حال تعرض الأطفال لأي إهمال حتى لو كان بسيطاً مثل التدخين في مكان مغلق يوجد به طفل، أو فادحاً مثل تعريض سلامته للخطر أو تركه دون رقابة.

إن اللائحة التنفيذية لقانون وديمة تعد عملاً تشريعياً رائعاً لا يمل المختص أو حتى غيره من قراءتها، لأنها تعكس حجم الجهد الإنساني المبذول في توفير الحماية للأطفال، بداية من وضع قيود صارمة لتشغيلهم، منها ألا يقل سن الطفل عن 15 عاماً، ويكون العمل وفق ضوابط عدة، مثل اللياقة الطبية، وبهدف إكسابه معرفة أو حرفة ترسخ لديه قيمة الاعتماد على النفس والاستقلالية، مع تقديم تقارير دورية عن حالته.

لقد تناولت اللائحة - تفصيلياً - الأماكن المحظورة على الأطفال حتى لا تترك مجالاً للتقدير أو الاجتهاد، ووضعت قيوداً واضحة على دور السينما لتحديد السن المسموح به لمشاهدة الأفلام، فيما يتساهل بعض الآباء في هذه الأمور، ويتركون الحبل على الغارب لأطفالهم في تصفح بعض المنصات رغم ما تحويه من مواد مخلة، يصل الأطفال إليها بسهولة.

قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، إن توفير البيئة المناسبة وتأمين مستقبل أفضل للأطفال يمثل أولوية وركيزة أساسية يقوم عليها عمل قيادة الدولة، مؤكداً أن الاستثمار في الطفولة هو استثمار في المستقبل.

وبكل أمانة يعكس الواقع جوهر كل كلمة لسموه، فهكذا تنهض الدول وتحلق في السماء.

محكم ومستشار قانوني

تويتر