رسالة مجهولة!

رجل ميسور مادياً، لديه عمل تجاري ناجح، يعتمد بشكل أساسي على دأبه ونشاطه وذكائه الملموس في إدارة مشروعه الذي بدأه من الصفر.

لا تملك سوى الإعجاب به كنموذج لامع طموح، لكن ستختلط مشاعرك كثيراً، وتشفق عليه، حين تراه يقف منكسراً مهموماً بائساً أمام القاضي، بعد أن ضبط متعاطياً للمخدرات.

لم يكن يتخيل أن يأتي اليوم الذي يضيق فيه العالم من حوله، أحلامه تتلاشى، وطموحاته تتبخر، وهواجسه حول مستقبله وحالة أولاده من بعده تطبق على صدره، وتخنقه.

لا يمكن أن ينسى ارتباكه حين شاهد رجال المكافحة، فتلعثم ولم يستطع الرد على أسئلتهم، ما دفعهم إلى اتخاذ الإجراءات القانونية حياله وإخضاعه للفحص، ليتبين أنه تحت تأثير تعاطي الحشيش، والمفاجأة أنهم لم يأتوا أساساً من أجله، لكن كالعادة في مثل هذه المواقف، يكاد المريب يقول خذوني.

مر هذا الرجل بتجربة قاسية، ودفع الثمن غالياً، لكنه تعلم الدرس جيداً، فابتعد عن أصدقاء السوء، واسترد عافيته وعمله، مستفيداً من حكمة المشرع الإماراتي وحرصه على منح فرصة ثانية لمن يستحق.

يتلقى معظمنا تلك الرسائل المجهولة التي ترد من أرقام هواتف أجنبية، تحديداً من دولة آسيوية بعينها، تروج لأنواع مختلفة من المخدرات، بلغة عربية ركيكة.

وتتفاوت ردود أفعالنا، فأكثرنا إيجابية يبلغ الشرطة عن هذه الأرقام، فيما يتجاهلها غالبيتنا، لكن هناك من يقع في الفخ، ويرتكب أول الأخطاء، حين يتجاوب مع المرسل، ويفتح معه حديثاً على سبيل الفضول.

وتتوالى الأخطاء، فيسأل عن الضمانات التي تحميه من ملاحقة رجال المكافحة، ويطمئنه المروج بالطبع، مؤكداً له أنهما لن يتقابلا على الإطلاق، وكل ما عليه هو إيداع ثمن المخدرات التي يريد شراءها في حساب بنكي مسجل داخل الدولة، وسوف يرسل إليه الموقع الجغرافي للكمية المطلوبة، وهكذا سيكون كلاهما بمأمن.

لا شك أنها طريقة بالغة الذكاء في ترويج هذه السموم، وتعتمد بشكل مخيف على التقنيات الحديثة، إذ يختزل بها تجار المخدرات خطوات عدة، ويتغلبون على تحديات كبيرة، أبرزها تجنب الوسائل التقليدية للمكافحة، فهي أقرب إلى نوع من الديليفري.

وفي المقابل، لم تقف أجهزة الدولة عاجزة، إذ طورت أساليبها في التعقب والملاحقة وتتبع مسار الأموال والمروجين، والمتعاطين بالطبع، كما تطرق المشرع الإماراتي إلى هذه الأساليب في القانون الأخير رقم 30 لسنة 2021 في شأن مكافحة المخدرات، إذ تنص المادة الجديدة رقم 74 على تدبير يمنع بموجبه المدان من إجراء أي تحويلات مصرفية سواء عن طريقه أو بواسطة غيره لمدة سنتين تبدآن بعد انقضاء فترة عقوبته.

خلاصة القول، أن الأخطاء التي نظنها بسيطة قد تعقد حياتنا، ويجب إدراك أن الدولة وإن كانت تتعامل بإنسانية مع مشكلة التعاطي، وتحرص على منح أكثر من فرصة للتعافي والإفلات من هذا الفخ المدمر، لكنها فرص مقيدة بإرادة أصحابها، ولن نجني في النهاية سوى ثمار أفعالنا.

محكم ومستشار قانوني

تويتر