قانون الإنسانية

استيقظت تركيا وسورية فجر الإثنين الماضي على زلزال مدمر، أسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، مخلفاً حزناً عميقاً في نفوسنا جميعاً، وألماً يتضاعف يومياً كلما عثر على ضحية جديدة، أو عرض مشهد موجع لأب فقد أطفاله، أو أم ثكلى، أو طفلة تبحث عن ذويها..

في ظل هذه الكارثة المروعة، تظهر معادن الرجال والدول، فالكرام الشجعان يطوون صفحات خلافاتهم جانباً ويغلبون «قانون الإنسانية» على شرائع الغاب، ويبادرون بشكل عملي لتقديم يد المساعدة، وتخفيف الألم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه..

لقد تزامن الزلزال وتوابعه المدمرة مع عاصفة ثلجية وتساقط غزير للأمطار وبرودة قاسية، لتزيد كل هذه العوامل من هول الكارثة، وصعوبة وصول فرق الإنقاذ إلى الضحايا خصوصاً في الشمال السوري..

وذكرت منظمة يونيسيف أن زلزال تركيا الأكثر تدميراً منذ قرابة قرن، جاء في أسوأ وقت ممكن، تحديداً للضعفاء من الأطفال والأسر المتضررة، إذ دمر آلاف المنازل، وأدى إلى تشريد العائلات، وتعريضهم لعوامل يصعب احتمالها!

إن الدول على شيم رجالها، لذا يظل مسمى «إمارات الخير» مكملاً لمعناه، فالدولة لم تكتف بتقديم خالص التعازي والمواساة لقيادتي تركيا وسوريا، أو تعلن فقط استعدادها لتقديم يد العون، لكنها كعادة حكامها في الأوقات الصعبة، أول من ينهض بهمة لإغاثة المنكوبين، دون تمييز بين صديق أو مختلف..

لقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، تضامن دولة الإمارات مع سورية وتركيا، وفي اللحظة ذاتها، وجه بإنشاء مستشفى ميداني، وإرسال فريقي بحث وإنقاذ، إضافة إلى إمدادات عاجلة إلى المتأثرين من الزلزال في الدولتين ضمن جسر جوي لا ينقطع، لتستفيد منها المناطق الأكثر تضرراً ومعاناة، فضلاً عن تخصيص 100 مليون دولار للدولتين.

ليس هذا غريباً، على الدولة أو حكامها، فقد ورثوا هذه الشيم من رجل امتدت أياديه البيضاء إلى أقاصي المشرق والمغرب، هو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فأصبحت الإمارات الأولى عالمياً في حجم المساعدات، وخلقت لنفسها دوراً غير متكلف أو مباهٍ في إغاثة المحتاجين والمتضررين من الكوارث المختلفة.

إن الدور الذي تقوم به الإمارات والدول التي قدمت يد العون بصدق، يجب أن يكون نموذجاً يحتذى، ففي مثل هذه المآسي، تحتاج الشعوب المنكوبة إلى من يحنو عليها، ومن هنا تبرز أهمية «قانون الإنسانية» إذ إنه ليس وصفاً مجازياً لتشريع أخلاقي تفرضه الظروف والأحداث، لكن يجب أن يكون فرض عين على الجميع، كل حسب استطاعته وقدرته، فالعالم لمن لا يرى أو ينكر ما يراه، يعاني ويلات مستمرة لأسباب بشرية وطبيعية مثل زلزال تركيا المدمر وهناك حاجة ملحة للتضامن والتعاون.

تحمل مهمة الإنقاذ الإماراتية لشعبي سوريا وتركيا اسم «الفارس الشهم» وهو وصف يليق بمن يدرك أن «الإنسانية» هي الملاذ الأخير لكل ضعيف ومكلوم، والشهامة قيمة يمكن أن تتحلى بها الدول مثل البشر تماماً.

محكم ومستشار قانوني

تويتر