تعديلات جوهرية بقانون الإثبات الجديد

لا شك أن قانون الإثبات الجديد في المعاملات المدنية والتجارية يستحق وقفة متأنية في ظل التعديلات الجوهرية التي يتضمنها، وتأتي في إطار حزمة من التشريعات الحداثية التي سنتها الدولة أخيراً، إذ أعاد المشرع الإماراتي في المرسوم بقانون اتحادي رقم 35 لسنة 2022 ترتيب طرق الإثبات، وأضاف إليها وسائل جديدة لم يتضمنها القانون القديم، فزاد عدد المواد من 92 إلى 125 مادة في القانون الجديد المزمع سريانه في الثاني من يناير 2023.

وتبسيطاً للقارئ، نركز على أبرز التعديلات، وأولها إضافة ست مواد جديدة إلى الأحكام العامة، في الباب الأول الذي يتضمن القواعد التي تنظم مسائل الإثبات، أهمها المادة 5 التي تشير إلى عمل المحكمة بموجب اتفاق الخصوم المكتوب ما لم يخالف النظام العام، ما من شأنه أن يخضع أي وسيلة إثبات لثلاثة معايير: اتفاق الخصوم، والكتابة، وعدم مخالفة النظام العام.

أما التعديل الثاني فيتعلق بترتيب وسائل الإثبات، إذ أقر المشرع في القانون القديم وسيلة الإثبات المتعلقة بالإقرار واستجواب الخصوم في الباب الخامس، فيما أقر هذه الوسيلة في الباب الثاني بالقانون الجديد كأولى وسائل الإثبات، وهذا التغيير برأينا يعكس أهمية هذه الوسيلة وحسن تقدير المشرع لحجيتها.

وثالثاً، أضاف وسائل إثبات جديدة لم تكن موجودة في التشريع القديم، وأرى أن هذه الإضافة تحمل رسالتين تشريعيتين بارزتين، الأولى تتعلق بالمرونة المعهودة للمشرع الإماراتي في مواكبة التقنيات الحديثة التقني، إذ أقر الدليل الإلكتروني كوسيلة إثبات في الباب الرابع الذي يتضمن 12 مادة، وهذا تطور مهم يتسق مع التشريعات الأخرى المتعلقة بالإجراءات المدنية والجزائية، ودليل التقاضي إلكترونياً أمام المحاكم المختلفة.

فيما تتعلق الرسالة الثانية بتقدير المشرع لوسائل الإثبات الجديدة وتقييدها بما يضمن دقة استخدامها، فأضاف في المادة رقم 89 من القانون الجديد، الإثبات بالعرف إلى وسائل الإثبات، لكنه قيده بثلاثة شروط: عدم وجود نص خاص، وعدم وجود اتفاق بين الأطراف، وعدم مخالفة النظام العام.

وأكد في المادة 91 على تقديم العرف الخاص على العرف العام في حال تعارضهما، وهذا بمجمله يعكس دراسة متأنية لطبيعة الدعاوى وما طرأ من متغيرات مهمة في النزاعات المدنية والتجارية.

وإجمالاً، تلمس بوضوح الجهد الملموس للمشرع الإماراتي في مواكبة التطورات على جميع الأصعدة، خصوصاً في ما يتعلق بسوق العمل، والعلاقات بين أطرافه، أو تلك التي تمس الاقتصاد باعتباره القطاع الأكثر حيوية في الدولة من خلال حزمة من التشريعات المعدلة بصورة جوهرية.

ويتبقى على الأطراف ذوي الصلة مراجعة هذه القوانين جيداً، والوعي بموادها قبل اللجوء إلى القضاء لتفادي إهدار الوقت والمال، لأنها - بشكل عام - تتسم بالوضوح، وتفصل كثيراً من الأمور التي كانت مجملة في التشريعات القديمة، وهذا من شأنه أن يضمن عدالة ناجزة وسريعة، وما أفضل من دولة لديها بنية تشريعية قوية مثل الإمارات.

محكم ومستشار قانوني

تويتر