خلط شائع بين الإفلاس والإعسار

يخلط الكثيرون بين مفهومي الإفلاس والإعسار لدرجة إطلاق الصفتين دون تمييز بينهما على حالة «العجز عن سداد الديون»، وربما كان هذا يسري قديماً، إذ لم يكن ثمة فرق يذكر، فالمفلس معسر والمعسر مفلس، لكن في ظل التطور التشريعي المتسارع، تناول المشرع القضايا التي تضم حالتي الإعسار والإفلاس من زاوية جديدة تجعلها أقل تعقيداً على المتعاملين من جهة، وتسهل على القضاء النظر في ما ينشأ عنها من خلافات وإشكاليات من جهة أخرى.

ونظراً لما نصادفه في بعض القضايا من سوء فهم لكل من الإفلاس والإعسار، نرى من الأهمية توضيح مقصد المشرع من سنّ تشريعين مختلفين ينظمان كل منهما على حدة، إذ لو كانا يحملان الدلالة نفسها لاكتفي بالمرسوم بقانون رقم «9» لسنة 2016 بشأن الإفلاس الذي صدر أولاً، ليطبق على الإعسار أيضاً، لكن اختلافهما في الدلالة جعل المشرع يفرد لكل منهما تشريعاً مستقلاً، من حيث نطاق التطبيق والغاية، والآلية المعتمدة لسداد الديون.

ومن حيث نطاق التطبيق، نجد أن الإفلاس يطبق على الشركات المؤسسة بموجب قانون الشركات التجارية الحكومية والشركات والمؤسسات في المناطق الحرة التي لا تخضع لأحكام خاصة تنظم إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس، أو إعادة الهيكلة والإفلاس فيها، وأي شخص يتمتع بصفة التاجر وفق أحكام القانون، والشركات المدنية المرخصة ذات الطابع المهني وذلك وفق المادة الثانية من المرسوم بقانون اتحادي رقم «9» لسنة 2016 بشأن الإفلاس.

في حين تنص المادة رقم «1» من المرسوم بقانون اتحادي رقم «19» لسنة 2019 في شأن الإعسار على أن الإعسار هو مواجهة الصعوبات المالية الحالية أو المتوقعة التي تجعل المدين غير قادر على تسوية ديونه، وتسري أحكام هذا المرسوم على المدينين الذين لا يخضعون لقانون الإفلاس، أي الذين لا يحملون صفة تجار.

وتجلت غاية المشرع من المرسوم بقانون الإفلاس بتقديم المساعدة للتجار، أو الشركات التي تعاني المشكلات المالية الحرجة حتى تعالج أوضاعها المالية، وتحمي أموال دائنيها والمساهمين بها، في حين أن الغرض من المرسوم بقانون الإعسار هو مساعدة الأشخاص المدنيين المعسرين على أداء التزاماتهم المالية.

وفي ما يتعلق بالآلية التي يفرضها كل من تشريعي الإفلاس والإعسار لمواجهة العجز عن السداد، يقر المشرع حزمة من الوسائل لمواجهة إفلاس الشركات أو التجار من خلال إعادة التنظيم المالي، والصلح الواقي من الإفلاس، وإعادة الهيكلة المالية.

أما الوسائل التي أقرها المشرع لمواجهة الإعسار فتتمثل في إعداد تقرير خبرة، وخطة لتسوية الالتزامات المالية المترتبة على المعسر.

وتبقى أهمية التشريعين على اختلافهما كامنة في حرص المشرع على المدين والدائن معاً بهدف المحافظة على المعاملات القائمة بينهما سواء كانت تجارية أم مدنية، وحماية أموال كل منهما وتقديم المساعدة في الأوقات المناسبة.

محكم ومستشار قانوني 

تويتر