قوة الشيك بعد التعديلات القانونية الأخيرة

 


أثار التعديل الأخير لقانون المعاملات التجارية بشأن إلغاء تجريم إصدار الشيك دون رصيد تساؤلات عدة، وأبدى البعض مخاوفاً من أن يفقد قوته كأداة وفاء للدين، لكن بالتحليل الدقيق للتعديل يمكن القول إن مرونة المشرع الإماراتي حيال هذه المسألة أملتها المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية التي تفرضها الرؤية الاستراتيجية للدولة، كما أنها منحت حامل الشيك خيارات أفضل لتحصيله والاستفادة منه.

الشيك - في الأصل - أداة وفاء بدين مستحق لمن حرر لصالحه أو لمن آل اليه، ونظراً لأهميته في المعاملات، عمد المشرع إلى تعديل النصوص القديمة لتسهيل عملية تحصيله وتسريعها.

وتنص المادة (635) مكرراً المضافة بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 14 لسنة 2020 إلى قانون المعاملات التجارية، في فقرتها الأولى على أنه : "يُعد الشيك المثبت عليه من قبل المسحوب عليه بعدم وجود رصيد له أو عدم كفايته سنداً تنفيذياً وفقاً للائحة التنظيمية للقانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1992 المشار إليه، ولحامله طلب تنفيذه، كلياً أو جزئياً، جبراً."

ولا شك أن هذا النص – عزيزي القارئ- يحتاج إلى توضيح، والقصد من المادة أنه لا حاجة بعد الآن إلى تقديم شكوى أو فتح بلاغ لدى الشرطة، ومتابعة الإجراءات المتعلقة بذلك وصولاً للنيابة ثم المحكمة، إذ إن اعتبار الشيك دون رصيد سند تنفيذي يعني أنه لا حاجة لحكم المحكمة لتحصيله، بل يكفي اللجوء إلى قاضي التنفيذ مباشرة لتحصيل قيمته أو المتبقي منها، من خلال وضع الصيغة التنفيذية على الشيك المرتجع لعدم توفر الرصيد.

ومن هنا يمكن القول أن حامل الشيك لا يحتاج إلى الادعاء القضائي الجزائي أو المدني بدرجاته كافة، إذا تأكد من عدم وجود رصيد له، ما يختزل كثيراً من الإجراءات ويسرع من حصول المستفيد على حقه، ويعزز الثقة بالشيكات باعتبارها ورقة تجارية يمكن استيفاء قيمتها فوراً. 

وأهم ما ورد في التعديل المتعلق بهذه المسألة، إلزام البنوك بالوفاء الجزئي إذا توفر رصيد أقل من مبلغ الشيك حال قبول المستفيد بذلك، عكس المطبق سابقاً 

إذا كان يحق للبنك الموافقة على الوفاء الجزئي من عدمه، وهذا يحسب للمشرع الإماراتي في ضمان حق حامل الشيك دون رصيد بمختلف الوسائل.

ويضاف إلى ذلك أن  التجريم لم يلغ بالكامل في المنازعات المتعلق بالشيكات، وهذا يعكس حكمة المشرع، إذ قصر ذلك على حالات محددة مرتبطة بوجود قصد جنائي وسوء نية، مثل الغش، والاحتيال، وتزوير الشيكات، وإقفال الحساب، أو سحب كامل الرصيد، أو تعمد تحرير الشيك بطريقة تمنع من صرفه.

والتجريم في هذه الحالات يعزز قابلية الشيك للتنفيذ الجبري واتخاذ التدابير القضائية، وتضمن حق المستفيد أو حامل الشيك في طلب التعويض وفق الإجراءات المنصوص عليها قانوناً، بموجب المادة 644 من قانون المعاملات التجارية المعدلة بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 14 لسنة 2020.

إجمالاً  يمكن القول أن ما ذهب إليه المشرع الإماراتي في هذه التعديلات، من شأنه أن يخفف من العبء الملقى على كاهل القضاء في هذه القضايا، ويحقق العدالة والإنصاف بترسيخ التوازن بين مصلحة المستفيد في تحصيل قيمة الشيك ، وإبداء مرونة أكبر مع محرر الشيك حال التزامه بالسداد، وهذا في مجمله يحصن منظومة الاقتصاد، ويعزز المعاملات التجارية.

محكم ومستشار قانوني

تويتر