آراء

استثمار في الخسارة!

في ظل تطور تقنية الاتصالات، والتوسع الرهيب في مجال الاستثمار والتجارة الإلكترونية، مع سهولة وسرعة تحويل الأموال من حساب إلى حساب بكبسة زر، انتشرت بالتوازي كيانات افتراضية، تروج للاستثمار الرقمي عن طريق التعدين الإلكتروني، والمضاربة في النفط، والذهب، والأحجار الكريمة، والعملات الرقمية، وغيرها من السلع التي أصبحت لها سوق إلكترونية ضخمة.

ويغري القائمون على هذه الكيانات مستخدمي الإنترنت بأرباح ضخمة، لا تتناسب غالباً مع حجم مساهماتهم، ويلاحقونهم عبر البريد الإلكتروني، أو من خلال الاتصالات الهاتفية، وتكون المقدمة دائماً عبارة عن ديباجة شفهية متكررة، تتضمن تأكيدات حول نزاهة الشركة، ورواج أعمالها، وحيازتها ثقة آلاف العملاء، حتى يقتنع الشخص المستهدف، ويضخ أمواله عبر حساب رقمي يُنشأ باسمه، وربما يحصل على الأرباح لمدة شهر أو شهرين، ثم يفاجأ بتجميد الحساب، وعدم قدرته على ممارسة نشاطه التجاري، وشيئاً فشيئاً يكتشف أنه وقع ضحية عملية احتيال ممنهجة من قبل شركة وهمية، ويخسر أمواله!

ولا شك في المقابل أن هناك شركات مرخصة، تمارس هذا النوع من الاستثمار بشكل مدروس، لكنها لا تعرض الأرباح ذاتها التي يعلن عنها هؤلاء المحتالون!

والإشكالية التي رصدت من واقعة قضايا عدة، تتمثل في أن هذه الجرائم تنفذ عادة من خارج البلاد، مثل معظم الجرائم الإلكترونية التي لا تعترف بالحدود، وتعتمد على عالم افتراضي يصعب تتبعه، في ظل تحصين أنفسهم جيداً، وتخفيهم وراء هويات مستعارة.

وعادة يعمد المحتالون إلى استهداف أكبر عدد من الأشخاص خلال فترة قصيرة، إذ يحولون ضحاياهم إلى مساهمين في الجرائم، من خلال إغرائهم بأرباح إضافية، إذا تمكنوا من إقناع أقاربهم وأصدقائهم بالمشاركة في هذا الاستثمار الوهمي.

وفي ظل حداثة هذه الجرائم وتطورها، حرص المشرّع الإماراتي على مواكبة هذا التحول المهم، فتطرق إليه في قانون مكافحة الشائعة والجرائم الإلكترونية الجديد، إذ ينص في المادة (41) على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، من دعا أو روج لمسابقة أو عملة إلكترونية أو أنشأ أو أدار محفظة أو شركة وهمية، بهدف تلقي أو جمع أموال من الجمهور بقصد استثمارها أو توظيفها، بغير ترخيص، وتحكم المحكمة برد الأموال المستولى عليها.

ولا شك أن الدولة تملك بنية أمنية رقمية قوية، وأجهزة متخصصة يمكنها تعقب مرتكبي هذه الجرائم، لكن تبقى هناك مسؤولية على عاتق الأفراد، فالمحتال يزدهر حين يوجد الطماع، لذا من الطبيعي التفكير قبل ضخ أي أموال في نشاط مشبوه أملاً في أرباح سريعة.

محامٍ

تويتر