آراء

قدوتي مدمن!

يقول أحمد (مدمن): شرعت في تعاطي المواد المخدرة، ظناً مني أنها ستعوضني ما أفتقده منذ طفولتي، وهو الاحتواء، والاهتمام، بتقدير الذات والأهمية، إضافة إلى تقليدي لقدوتي، وهو أخي الأكبر، الذي كان يتعاطى أمامي، وأصبحت أنا أيضاً مع مرور الوقت ضمن شلته من المدمنين.

للأسف، اعتقدت أن تلك المواد ستكون بمثابة السحر، وبمجرد تعاطيها سأنسى إهمال والدتي، وقسوة والديّ، اعتقدت أن المخدرات ستجعلني شخصاً مهماً في نظر الذين جزموا منذ طفولتي بأنني سأكون فاشلاً، ولن أتحمل أي مسؤولية، وستشعرني باستقرار الأسرة، ودفء حضن الأم، ورحابة صدر الأب في الاستماع إلى آرائي وأفكاري. واكتشفت أن كل قناعاتي كانت خاطئة، وفقت على حقيقة مؤلمة، وهي أنني مدمن على المخدرات، وأعاني الآن مرضاً مزمناً قابلاً للانتكاس، وبحاجة إلى علاج ورعاية لاحقة كي أستمر في طريق التعافي.

يرى باحثون في مجال الإدمان أن كثيراً من الأشخاص يشرعون في تعاطي المواد المخدرة، ظناً منهم بأنها ستكون المخرج أو الحل للعديد من المشكلات التي يعانونها، لكن ينتهي بهم المطاف إلى مرض الإدمان. ويزيد من خطر الإقبال على تعاطي هذه المواد بعض العوامل التي ترتبط بالفرد نفسه والأسرة والمجتمع، وتسمى «عوامل الخطورة».

فوجود فرد مدمن في عائلة «أحمد»، على سبيل المثال، وهو أخوه وقدوته، شجعه على التعاطي، إضافة إلى افتقاره للوجود العاطفي الآمن والمستمر من الوالدين، بدءاً من مراحل الطفولة المبكرة.

وانطلاقاً من قصة «أحمد»، وغيرها من القصص المشابهة، تتضح أهمية مرحلة الطفولة المبكرة، ودورها في تطور شخصية الفرد، والتقليل من تعرضه للاضطرابات النفسية وتعاطي المواد المخدرة، وغيرها من السلوكيات السلبية.

في المقابل، أكدت الدراسات أن الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة والإهمال في طفولتهم هم أكثر عرضة للأمراض النفسية والجسدية، وقابلية تعاطي المواد المخدرة في سن مبكرة، مقارنة بأقرانهم.

وبالحديث عن الطفولة المبكرة، ودورها في تشكيل شخصية الفرد وتعزيز مرونته، برهنت التجارب العلمية على الكثير من العناصر الأساسية في تكوين شخصية الفرد، كالوعي بالمشاعر، وتقدير الذات، والقدرة على اتخاذ قرارات تعتمد على مسارات دماغية مهمة، تحتاج إلى ظروف بيئية مناسبة لتطورها، تتمثل بالتفاعلات والتجارب الإيجابية مع الوالدين والمحيط الأسري، إذ إن 80% من تطور الدماغ يحدث بعد الولادة، وبالتحديد في السنوات الثلاث من عمر الإنسان، التي يصل فيها النشاط بين الناقلات العصبية في الدماغ إلى 1000 ترليون، بينما يقل إلى النصف تقريباً في مرحلة المراهقة.

ونقلاً عن ما كتبه أحد الباحثين في مجال علم النفس والعلاقات الأسرية «نعم نحمل جينات وراثية تشكل جزءاً من شخصيتنا، لكن الظروف البيئية المحيطة إما تنشّط هذه الجينات أو تهذبها!».

ومن هذا المنطلق لابد من أن يعي الوالدان أهمية هذه المرحلة، وأهمية الاستثمار فيها.

المدير التنفيذي لقطاع الرصد والابتكار الاجتماعي- دائرة تنمية المجتمع

تويتر