آراء

دور السوشيال ميديا في الإثبات الجنائي..

من إيجابيات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن جعلت لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في كشف وتوثيق العديد من الجرائم، حيث أسهمت في كشف غموضها وملابساتها، وتحديد هوية الجناة، وإلقاء القبض عليهم، وتقديم الأدلة والبراهين ضدهم، حتى يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه ارتكاب الجرائم، أو الخروج عن المألوف، تحقيقاً للردع العام.

ويثار تساؤل قانوني عن التسجيلات والصور والفيديوهات المتحصلة من مواقع التواصل الاجتماعي في الإثبات الجنائي، وهل تُعد قرينة أم دليلاً، وما الفرق بينهما؟ خصوصاً في ظل عدم انتباه الكثيرين إلى ما ينشرونه أو يبثونه عبر تلك الوسائط، فمن المتكرر أن يسجل أحدهم رسالة غاضبة عبر تطبيق دردشة، يستخدم فيها ألفاظاً مسيئة، تمثل نوعاً من السب، أو يكتب منشوراً عن شخص ما يمسه بشكل أو بآخر، بما يعد جريمة، فهل يمكن أن يستخدم ذلك ضده؟

يجب أن يدرك الجميع أن الأصل في المحاكمات الجنائية عدم تقيد القاضي بدليل معين، إلا إذا نص القانون على ذلك بالنسبة لجريمة بعينها، وأن للقاضي الجنائي الحرية في تكوين عقيدته من أي دليل أو قرينة يطمئن إليها، ما دام هذا الدليل له مأخذه الصحيح في الأوراق، دون رقابة عليه من محكمة التمييز في ذلك.

والدليل الجنائي هو وسيلة الإثبات المباشرة، الذي ينصب بدلالته على الواقعة المراد إثباتها، أما القرينة فهي وسيلة إثبات غير مباشرة، قائمة على استنباط الواقعة المجهولة من الواقعة المعلومة، بحكم اللزوم العقلي والمنطقي، ويستنبطها القاضي من وقائع الدعوى وملابساتها.

وتنقسم في دلالتها إلى قرائن قطعية كافية للقضاء بموجبها، وقرائن غير قطعية، فتعد مرجحة فقط متى اكتملت شروطها، ولم يثبت من استخدمت في مواجهته بإثبات عكسها أو قرينة ضعيفة لا تقوى على الاستدلال بها.

لذا، فإن الحقيقة اللازمة في الإثبات الجنائي، خصوصاً في ما يتعلق بالإدانة هي الحقيقة القطعية وليست الظنية أو الاحتمالية، عملاً بما هو مستقر عليه أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد الجرم المنسوب للمتهم أو لعدم كفاية الأدلة لكي تقضي بالبراءة.

وبناءً على ما سبق، ونظراً لكون القانون لم يقيد القاضي الجنائي بدليل معين، فإن كل المواد المستخرجة من مواقع التواصل الاجتماعي، سواء تسجيلات أو صور أو فيديو أو غيرها تخضع لقواعد الإثبات الجنائي العادية ذاتها.

لكن بالنظر إلى الطبيعة الإلكترونية لتلك المواد وإمكانية العبث بمحتواها سواء، إضافة أو التعديل، أوجب القانون - في حالة إنكار المتهم لها - التأكد من أصالتها بالطرق الفنية من جهات الاختصاص، وبعد التأكد من صحتها ونسبتها إلى فاعلها (المتهم)، تصبح دليلاً مادياً له حجية مُلزمة للقضاء بموجبه.

مستشار قانوني أول

تويتر