آراء

لماذا يجنح الأحداث

نسمع ونقرأ عن جنوح الأحداث باعتباره من التحديات التي تهدد كيان الفرد والأسرة والمجتمع، لكن يحتاج الأمر إلى التدقيق في بعض التفاصيل.

بداية، يعرّف الحدث قانوناً على أنه الشخص الذي لم يُتم الثامنة عشرة من العمر عند ارتكابه الفعل محل المساءلة، ولهذه المشكلة أبعاد عدة بيولوجية ونفسية واجتماعية، فمن منظور اجتماعي يتضمن جنوح الأحداث في طياته العديد من التداعيات الخطيرة، مثلاً الإدمان والسرقة والعنف.

وانتهت دراسات عدة إلى أن الجنوح ربما يبدأ في مراحل عمرية مبكرة، لذا اهتم الباحثون بدراسة مسببات المشكلة بشكل شامل من مختلف الأبعاد المشار إليها، حتى يمكنهم التوصل إلى المؤثرات التي تستهدف تلك المراحل، سعياً لإيجاد حلول لحماية الأحداث ومعالجة المشكلة من جذورها بأفضل الوسائل.

وبالحديث عن وقاية الأبناء من الجنوح، أكدت الدراسات أن الأسرة ذات دور محوري وتمثل خط الدفاع الأول، إذ إنها مصدر القيم والأعراف وتسهم البيئة الأسرية الإيجابية في تطور شخصية الطفل بشكل صحي.

وتبدأ رحلة تعلم الأطفال وتشكيل شخصيتهم منذ لحظة ولادتهم من خلال ملاحظة ومحاكاة سلوك آبائهم، ما يسهم في نموهم عاطفياً وفكرياً واجتماعياً. كما يتعلم الأطفال من خلال تفاعلهم مع والديهم الكثير من المهارات المهمة التي تساعدهم على مواجهة التحديات، والتكيف مع المتغيرات، والتعاطف مع الآخرين.

ومن هذا المنطلق، أثبتت بعض الدراسات وجود صفات مشتركة بين المراهقين الذين شاركوا في أنشطة إجرامية، أبرزها ضعف المهارات العاطفية التي لم تتح لهم فرصة اكتسابها في مراحل الطفولة المبكرة، التي تمثل أهمية كبيرة وحاضنة أساسية لهذه المهارات.

وكشفت دراسة استهدفت عينة من الأحداث الجانحين بأحد المجتمعات الخليجية عن وجود عوامل أسرية مشتركة بينهم، منها انعدام لغة الحوار بين الآباء وأبنائهم، والافتقار إلى العاطفة الأبوية، وفقدان التوجيه والإرشاد.

كما أفادت دراسات بأن تسلط الأبوين وقسوتهما، وقمع حرية التعبير عن الرأي مسببات لتمرّد الأبناء، وابتعادهم عن أسرهم، بينما يؤدي جفاء الوالدين وجفافهما عاطفياً بعدم إظهار الحب للأبناء إلى انعدام الاستقرار والأمان العاطفي، ويقود إلى ظهور السلوك المعادي للمجتمع وجنوح المراهقين، لذا فإن الانتماء إلى أسر مفككة يزيد من احتمالية الجنوح.

وعلى الرغم من أهمية دور الأسرة وكونها عاملاً رئيساً في هذه المشكلة، إلا أن هناك أسباباً أخرى تستحق النظر والدراسة، مثل البيئة المدرسية والبيئة التي يعيش فيها الطفل أو المراهق داخل الحي أو (الفريج) الذي يسكن به، ومدى تأثير أصدقائه عليه، بل إن هناك احتمالات لدور، ولو محدود، للتركيبة الجينية للمراهق، بشكل عام كلها عوامل جديرة بالبحث.


مدير إدارة الأسرة والطفل في دائرة تنمية المجتمع

تويتر