آراء

«الوقت النوعي»

لا تكاد تفارقني ابتسامة ونظرة السعادة في عيني ابنتي ذات التسعة أعوام، وهي تردد «شكراً وايد ماما لأنج لعبتي معاي اليوم.. أنا أحبج وايد»، على الرغم من أنها 15 دقيقة شاركتها اللعب، لكنها مثلت لها الكثير، وبالنسبة لي كانت هذه الكلمات كافية لإضفاء البهجة والسعادة على يومي بأكمله. تعلمنا في مدارسنا أن الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، وهي خط الدفاع الأول، والكيان المسؤول عن تشكيل شخصية الأبناء وبناء ذواتهم.

كما أثبت العديد من الباحثين أن اتباع الممارسات الوالدية الصحية، مثل التواصل الإيجابي بين الآباء وأبنائهم، ووضع الضوابط المنزلية بمشاركة الأبناء، واتباع روتين يومي واضح المعالم، يسهم في خلق بيئة أسرية مستقرة، وينعكس ذلك بالكثير من الفوائد على الأبناء، مثل تحسين التحصيل الدراسي، وتعزيز احترام الذات، ناهيك عن دور تلك الممارسات في وقاية الأبناء من الانخراط في الكثير من المشكلات السلوكية، كالتدخين في سن مبكرة، والتنمر، وغيرهما من السلوكيات السلبية.

ومن الحقائق التي سلّطت الكثير من الدراسات الضوء عليها، والتي يستشعرها الكثير من الآباء، تأثر المراهقين بالدائرة المحيطة بهم من اتجاهات وسلوكيات، ومن هذا المنطلق فإن خلق علاقة قوية مع الأبناء منذ مراحل مبكرة، أساسها الثقة والاحترام، يسهم في تعزيز قدرة الأبناء على اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة، في ظل ضغط الأقران السلبي في بعض الأحيان، وبعيداً عن الإشراف المباشر من الوالدين.

ولكن هل قضاء الوقت الكافي مع الأبناء كفيل بتطوير العلاقة مع الوالدين، وتوطيد جسور الثقة بينهم؟ أم أن نوعية وجودة هذا الوقت الذي يتم قضاؤه مع الأبناء تعتبران ذوات أهمية؟ وفي هذا الصدد، قرأت آراء لبعض الأمهات اللواتي صرّحن بشعورهن بالذنب لعدم قضاء الوقت الكافي مع أبنائهن، ولإسكات هذا الشعور يقمن بتمضية ساعة أو ساعتين مع الأبناء، والتي تكون بمثابة المهمة الرسمية أو الفريضة الواجب إتمامها، دون الاكتراث لجودة وطبيعة هذا الوقت المهدور.

بينما برهنت العديد من الدراسات بأن طبيعة الوقت الذي يقضيه الوالدان مع أبنائهما أكثر أهمية من كمية هذا الوقت أو مدته، وأن حالة الوالدين النفسية خلال الوقت الذي يمضيانه مع أبنائهما تنعكس على الأبناء وصحتهم النفسية. وعندما يتشارك الوالدان مع أبنائهما في قراءة القصص أو الكتب، أو يتشاركان معهم الحديث والحوار خلال أوقات مختلفة، مثل وقت تناول وجبة طعام على سبيل المثال، تتم عملية التقارب المعنوي، ويشعر حينها الأطفال بالدفء الأسري.

وكآباء كيف نستطيع تمضية وقت نوعي مع أبنائنا؟ وهل بالفعل ضغوط الحياة المختلفة، ومنها ضغوط العمل، تشكل أحد العوائق؟ وهل تستطيع أدوات إدارة وتنظيم الوقت وتحديد الأولويات الإسهام في تعزيز قضاء أوقات نوعية مع أبنائنا؟ فقضاء وقت مع الأبناء دائماً وأبداً سيكون من العناصر المهمة، وأحد عوامل الحماية من السلوكيات الخطرة، إذا ما تم استثماره والتخطيط له بالطريقة الصحيحة، ومن هنا كآباء علينا التفكير ملياً في نوعية هذا الوقت الذي نقضيه مع أبنائنا، والأنشطة التي من الممكن أن تقربنا منهم، وتسهم في بناء وتطوير شخصياتهم.

تويتر