آراء

من مذكرات مدمن متعافٍ 2 «أصبحت مدمناً»

عقارب الساعة تشير إلى الثانية والربع فجراً، ومازلت أنا (أحمد) بعمر الـ25 الآن مستلقياً في شقة زعيم «شلة» الظلام، الذي يعد من كبار مروجي المخدرات في المنطقة، بعد أن دسست جرعة من السم (الكوكايين) في أوردتي دقائق قليلة، وانقلب كل شيء في الشقة، وارتفعت الأصوات، ولم أشعر بنفسي مجدداً إلا خلف القضبان الحديدية.

تطورت رحلتي مع المخدرات بسرعة، بسبب ضعف إرادتي، وانعدام ثقة والديّ بي، والفضل الأكبر بالتأكيد يرجع إلى دعم أفراد «الشلة»، بدأت معاناتي بعد تعرفي إلى أفراد «الشلة» في المرحلة المتوسطة، وتدني مستواي الدراسي، والتغير السلوكي السلبي المفاجئ الذي طرأ عليّ، ثم هجرت مقاعد الدراسة في الجامعة منذ السنة الأولى، عندما كنت بعمر الـ19، ومعها خسرت حلمي بأن أكون أستاذاً جامعياً، وفي العام نفسه خسرت ثقة أمي وأبي وأخوتي عندما تم القبض عليّ بتهمة الحيازة بغرض التعاطي، وإيداعي السجن، لم أكن أعي لحظتها أن خسارتي امتدت إلى نفسي وذاتي، وبعد انقضاء مدة حبسي وعودتي إلى المنزل ظلّت نظرات الاحتقار واللوم تلاحقني في كل ركن، ومن أقرب الناس.

لمت نفسي كثيراً وقتها، وعاهدتها على أنني لن أعود مرة أخرى إلى التعاطي، وسأبذل كل ما أستطيع للحصول على عمل، والبدء من جديد. طرقت أبواباً كثيرة للحصول على فرصة للعمل، ولكن وصمة «تعاطي المخدرات» كانت بمثابة شبح يلاحقني في كل جهة حكومية أو خاصة أقدم فيها. وقام والدي، بعد ضغط كبير من والدتي وأختي الكبرى، بتسجيلي للدراسة في إحدى الجامعات الخاصة على نفقته. بدأت مشوار الدراسة، ولكن كان شعوري بعدم الاستقرار، وبأنني غير مرغوب من الجميع، يلاحقني، وكانت دائماً كلمات أبي وإخوتي تصرخ في أذني: «لا تفشلنا وتطلع من الدراسة إلى السجن». رجعت إلى «الشلة» التي كنت أحس بالانتماء إليها، وودعت الدراسة الجامعية مرة أخرى، ومن جديد احتوتني «شلة» الظلام، وعرفتني هذه المرة على «الكوكايين»، الذي أصبحت في ما بعد لا أستطيع العيش من دونه.

لو رجعت بي الأيام إلى الوراء لسألت نفسي: لِمَ لم أبتعد عن هذه «الشلة» التي كانت السبب الرئيس في شروعي في تعاطي المخدرات؟ ولِمَ تخليت عن أحلامي بسرعة؟ ولماذا فقدت إرادتي بسرعة؟ وماذا عن أسرتي وعن المجتمع، لم لم يسامحوني ويعطوني فرصة لأرجع فيها من جديد؟

أثبتت العديد من الدراسات أن تعاطي المواد المخدرة من الممكن أن يتحول إلى إدمان، ويعرف الإدمان بأنه مرض مزمن، يصيب الدماغ، ويؤثر في وظائفه، لذا يحتاج مريض الإدمان إلى العلاج، والرعاية اللاحقة، والدعم الأسري والمجتمعي لتعزيز تعافيه، والتقليل من انتكاسه.. كأفراد ومجتمع علينا أن ندعم تعافي المدمنين، لنقلل من عودتهم إلى المخدرات، ولكن في الأصل يجب أن يعي «أحمد» وغيره من المدمنين ضرورة طلب المساعدة من المختصين في أسرع فرصة، ليتمكنوا من تقديم التدخل المبكر، وللتقليل من الأضرار التي تصيب الدماغ والجسم بأكمله بسبب إدمان المخدرات.

Alhayyas@gmail.com

تويتر