القانون الإماراتي يتصدى للأساليب الحديثة لترويج السموم

تقييد مصرفي للمتورطين في شراء مخدرات عبر «واتس أب»

صورة

أكد قانونيون أن القانون الجديد رقم 30 لسنة 2021 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، تناول بشكل تفصيلي ترويج المخدرات وشراءها عبر السوشيال ميديا، وحدد إجراءً عقابياً إضافياً للحبس والغرامة والإبعاد، إذ نصّ على منع المدان في هذه القضايا من تحويل أو إيداع أية أموال للغير بذاته أو بواسطة الغير، لمدة سنتين بعد تنفيذ العقوبة».

وأشاروا إلى تطبيق هذه العقوبة فعلياً على مدانين، أحدهما عربي الجنسية، تبيّن أخيرا من خلال التحقيقات تحويله أموالاً إلى أحد مروجي المخدرات، بعد أن تواصل معه الأخير من خلال ما أطلقت عليه شرطة دبي «الرسائل المجهولة»، التي تصل إلى أفراد من المجتمع عشوائياً عبر تطبيق «واتس أب»، للترويج لأنواع مختلفة من المخدرات.

وقد حكم عليه بالحبس والغرامة، والمنع من تحويل أو إيداع أية أموال للغير بنفسه أو عن طريق غيره لمدة سنتين.

وتفصيلاً، طبقت محاكم الدولة مادة مستحدثة في القانون الجديد لمكافحة المخدرات، الصادر بمرسوم رقم 30 لسنة 2021 المتعلقة بتحويل الأموال إلى مروجي المخدرات عبر حسابات بنكية.

ووجهت النيابة العامة إلى أحد المتهمين تهمة إيداع أموال لحساب شخص آخر بقصد استخدامها، أو مع العلم بأنها ستستخدم في تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، بعد أن كشفت تحريات أجهزة المكافحة واعترافات المتهم أنه تواصل مع تاجر مخدرات عن طريق تطبيق «واتس أب»، وطلب منه تزويده بمادة الحشيش مقابل مبلغ مالي.

وأفادت التحقيقات بأن المتهم أودع المبلغ المطلوب في حساب مصرفي بأحد البنوك، ثم أرسل إليه التاجر خريطة بموقع الكمية التي اشتراها من المادة المخدرة، في إحدى المناطق الصناعية، فحصل عليها بناءً على الاتفاق المسبق بينهما، وتعاطاها.

وبعد نظر الدعوى واطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت بحق المتهم، قضت بحبسه ثلاثة أشهر، وإبعاده عن الدولة، باعتباره مقيماً فيها، ثم استندت إلى المادة 74 في القانون الجديد، وقضت بمنعه من تحويل أو إيداع الأموال لمدة سنتين بعد انتهاء تنفيذ العقوبة المقضي بها.

وقال المحامي بدر عبدالله خميس، إن واقع قضايا الترويج والتعاطي التي نظرتها المحاكم، أخيراً، كشف عن انتشار أسلوب جديد في ترويج المخدرات، يهدف بشكل أساسي إلى بيع هذه السموم عن بعد، من خلال التواصل عبر تطبيقات «السوشيال ميديا»، ثم الاتفاق على آلية معينة لتحويل المبالغ.

وأضاف أن «مروجي هذه السموم ابتكروا هذا الأسلوب لتعقيد مهمة أجهزة مكافحة المخدرات في تعقبهم والوصول إليهم، إلا أن المشرع الإماراتي لم يغفل عن مواكبة هذا التطور من جانبه، وأدرج في القانون الجديد رقم 30 لسنة 2021 مواد رادعة لكل من يتورط في هذه الممارسات».

وأشار إلى أن القانون تناول هذه الجرائم في أكثر من موضع، الأول بالمادة رقم 64 التي تنص على أنه «يعاقب بالحبس أو الغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم، كل من أودع أو حول أموالاً بنفسه أو بواسطة الغير أو قبل تحويلها إليه بقصد ارتكاب أي من جرائم التعاطي أو الاستعمال الشخصي للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية».

وأكد خميس أنه من واقع القضايا التي تعامل معها، فإن البعض يقع في فخ استسهال الحصول على المخدرات من خلال شرائها بهذه الطريقة، التي يعتبرونها «ذكية»، لأنها تعتمد بشكل أساسي على التقنيات الحديثة، متخيلين أنهم بعيدون عن أعين الشرطة ورجال المكافحة، لافتاً إلى أن الإشكالية الرئيسة تكمن في تعاملهم مع مجهولين، تواصلوا معهم برسائل عشوائية ترسل عبر «واتس أب»، لكن من الطبيعي أن تواكب الأجهزة الأمنية هذا التطور في أسلوب الترويج.

وأوضح أن «هناك أشخاصاً ليسوا أصحاب سوابق، أو مصنفين باعتبارهم خطرين، أو من معتادي التعاطي، وقعوا في هذا الفخ بدافع الفضول في تجربة شراء المخدرات بهذه الطريقة، ففقدوا وظائفهم، وتعقدت حياتهم، ولم يعودوا قادرين على إعالة أسرهم».

ولفت إلى أن «التبعات القانونية بحسب التعديلات الجديدة لم تعد تقتصر على الحبس والغرامة، بل تجاوزت ذلك إلى تقييد المعاملات المالية لفترة تصل إلى سنتين، لذا فإن لهذا الخطأ، الذي يعتبره مرتكبوه بسيطاً، عواقب وخيمة».

من جهته، قال المحامي محمد النجار إن كثيراً ممن تورطوا في هذا النوع من الممارسات لم يتوقعوا أن تتبدل حياتهم وتتعقد لمجرد التجاوب مع رسالة نصية وردت إليهم عشوائياً عبر تطبيق «واتس أب».

وأضاف أن المادة 64 التي تتناول العقوبة المقيدة للحرية والغرامة، والمادة 74 التي تتناول للمرة الأولى تقييداً مالياً لمدة سنتين، طبقتا على متهمين تورطوا في هذه الممارسات.

وأشار إلى أن المشرع الإماراتي فطن لهذه الممارسات، وهذا يعكس أهمية التحديث الدوري للقوانين في الدولة، موضحاً أن الغرامة التي تطبق على مرتكبي هذه الجريمة لا تقل عن 50 ألف درهم، والحبس قد يصل إلى ستة أشه، فضلاً عن الإبعاد، حسب رؤية القاضي، إذا كان المتهم مقيماً بالدولة.

وأكد النجار أن من الضروري الانتباه إلى المادة 74 من القانون الجديد التي تنص على أنه «يمنع كل من أدين بأي من الجرائم المعاقب عليها وفق أحكام المرسوم بقانون من تحويل أو إيداع أية أموال للغير بذاته أو بواسطة الغير، إلا بإذن يصدر من مصرف الإمارات المركزي، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، ويستمر هذا المنع لمدة سنتين بعد انتهاء تنفيذ العقوبة»، مشيراً إلى أن «هذا الإجراء هو تطور قانوني مهم، لأن الردع بحسب القانون الجديد لا يقتصر على الحبس أو الغرامة، بل يمتد إلى المعاملات المصرفية، لأن الجزاء من جنس العمل. وفي ظل أن المتهم بارتكاب هذا السلوك انتهك قواعد العمل المصرفي، وأساء استخدام الخدمات البنكية، فمن الطبيعي أن يعاقب على تصرفه ويحرم من هذه الخدمات».

وأكد إمكان تخيل عواقب حرمان تاجر أو رجل أعمال أو حتى موظف عادي من القيام بمعاملات مصرفية لمدة عامين، خصوصاً في ظل اعتمادنا جميعاً على النظام البنكي في تسيير شؤون حياتنا، بداية من تحرير شيكات الإيجار، وصولاً إلى سداد رسوم الخدمات، وغيرها من المعاملات.

وأبلغ قراء وأفراد من المجتمع «الإمارات اليوم» عن تلقيهم رسائل نصية عبر تطبيق «واتس أب» من أرقام أجبنية، نصها «سلام عليكم صديق، سامان موجود، حشيش موجود كريستال لاريكا ترامادول.. كله سامان موجود»، مشيرين إلى أنهم كلما حظروا رقماً ترد إليهم الرسائل من رقم آخر.

وكشفت شرطة دبي لـ«الإمارات اليوم» في وقت سابق عن أن هذه الرسائل تخفي نشاطاً مشبوهاً، أقرب إلى خدمة توصيل للمخدرات، تم رصده والتصدي له بحملة ممنهجة، حققت نجاحاً ميدانياً وتثقيفياً لافتاً، أطلق عليها حملة «الرسائل المجهولة». وقد أسفرت الحملة، وفق مدير مركز حماية الدولي في شرطة دبي، العقيد عبدالله الخياط، عن ضبط 100 متهم بترويج المخدرات بهذه الطريقة، فضلاً عن ارتفاع كبير في مؤشر بلاغات الجمهور عبر منصة «إي كرايم».

وشرح الخياط أن حملة «الرسائل المجهولة» أطلقت عبر شقين متوازيين، الأول ميداني عن طريق الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، والثاني توعوي عن طريق مركز حماية، بالتعاون مع الشركاء في هيئة الطرق والمواصلات والمصرف المركزي.

وأشار إلى أن «الحملة حققت نجاحاً كبيراً، لذا تقرر تجديدها بشكل ممنهج، وفق توجيهات القائد العام لشرطة دبي، الفريق عبدالله خليفة المري، في ظل الاستجابة اللافتة من أفراد المجتمع»، مؤكداً توجيه أكثر من 190 مليون رسالة توعية لأفراد الجمهور، وتمثلت النتائج في ارتفاع مؤشر الاتصالات عبر مركز الاتصال «901» بنسبة 33%.

كما ارتفع مؤشر البلاغات خلال الأشهر الثلاثة إلى 632 بلاغاً، مقارنة بـ229 بلاغاً خلال 13 شهراً كاملة، بنسبة تقدر بنحو 158%.

وأوضح أن هيئة الطرق روجت للحملة بأكثر من 77 مليون رسالة في مختلف وسائل النقل، إضافة إلى 91 مليون رسالة تلقاها أفراد المجتمع عبر ماكينات الصراف الآلي.

تويتر