«الداخلية» تحذّر من تنامي الظاهرة.. و«الأوقاف» قطعت بتحريم أشكاله كافة

«تبرعات التواصل الاجتماعي»..جيل جديد من التسوّل يسلب أموال المحنين

صورة

هجر متسولون طرق التسول التقليدية وبسط اليد لاستدرار العطف والشفقة، ولجؤوا إلى تسول حديث، يدر عليهم أموالاً طائلة دون إراقة ماء الوجه، إذ سخروا التكنولوجيا الحديثة لاستجداء الناس بأسلوب جديد، وسلبهم أموالهم عبر «التسول الإلكتروني»، خصوصاً أن طرق التسول التقليدية وارتداء ملابس ممزقة رثة لم تعد تنطلي على كثير من الناس، فلجأ متسولون إلى وسائل التواصل الاجتماعي: «واتس أب»، و«تويتر» و«فيس بوك»، والبريد الشخصي الإلكتروني، وبدأوا في بث رسائل تتضمن قصصاً درامية مليئة بالدموع والحكايات المأساوية، وتدعو المحسنين إلى مساعدة مرضى ومنكوبين وأطفال في دول أخرى، أو الإسهام في إقامة دور عبادة بأماكن بعيدة، والاستيلاء على مبالغ طائلة بأقل مجهود.

ورصدت وزارة الداخلية ظاهرة جمع التبرعات لحالات مرضية ومعسرة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات ذكية، خصوصاً «واتس أب»، مؤكدة أنها تلاحق المتورطين في مثل هذه الأفعال، التي تستهدف الاستيلاء على أموال المحسنين، وممارسة أنشطة من دون ترخيص.

ورصدت «الإمارات اليوم»، في جولة على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشار الكثير من القصص المفبركة والإعلانات لجمع التبرعات لحالات مرضية، من بينها أطفال مصابون بالسرطان، وأخرى معسرة لا تستطيع تدبير نفقات المعيشة، وتدعو أهل الخير والمساعدة إلى مد يد العون لها، دون إظهار أي دلائل تثبت صحة المعلومات المنشورة.

وشكا مواطنون ومقيمون انتشار ظاهرة «التسول الإلكتروني» على مواقع التواصل الاجتماعي، بصورة ملحوظة مع حلول شهر رمضان المبارك، مشيرين إلى رصدهم رسائل تحوي قصصاً مأساوية متنوعة، وتدعو أهل الخير إلى المساعدة في رفع البلاء عن أطفال ومسنين بدول مختلفة، وأخرى لمساعدة فقراء يعانون ويلات الحروب، ودعوات للإسهام في بناء مساجد ومستشفيات.

فيما حذر استشاريون أسريون واجتماعيون من الانسياق وراء «التسول الإلكتروني»، مطالبين بإخراج أموال الزكاة والصدقات عبر الهيئات والجمعيات الرسمية الموجودة بالدولة، وهو ما أيدته الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، التي قطعت بتحريم التسول بأشكاله وحيله كافة، حاثة أفراد المجتمع على إخراج أموال الزكاة عبر صندوق الزكاة، الذي يستخدم برامج وتطبيقات إلكترونية، تضمن عدم ازدواجية صرفها على المستحقين.

وتفيد إحصاءات شرطة أبوظبي بأن المتسولين ينشطون في الفترة المسائية، مشيرة إلى أنهم يستخدمون أسلوباً احتيالياً، يتنوع بين ادعاء المرض ورغبة المتسول في مغادرة الدولة، وعدم العمل، والحاجة للطعام، إضافة لادعاء الإصابات الجسدية.


قال المشرف على مكتب ثقافة احترام القانون في وزارة الداخلية، العميد الدكتور صلاح الغول، لـ«الإمارات اليوم»، إن موضوع «التسول الإلكتروني» بدأ ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يقود البعض حملات ذات نطاق محدود على التطبيقات الذكية، مثل «واتس أب»، أو الرسائل النصية، أو على صفحات التواصل الاجتماعي الشهيرة، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، يدعون من خلالها إلى جمع التبرعات لشخص مريض أو أسرة محتاجة أو امرأة أرملة، بغية تقديم الدعم لأكثر الفئات احتياجاً في المجتمع، غير مدركين الأبعاد القانونية لمثل هذه السلوكيات التي يعاقب عليها القانون.

أرقام «الداخلية»

حددت وزارة الداخلية أرقام هواتف، للإبلاغ عن المتسولين في أبوظبي، عبر التواصل مع غرف عمليات الشرطة على هاتف الطوارئ 999، وخدمة أمان على هاتف 8002626، وفي دبي على هاتف 800243، وفي الشارقة على 065632222، ورأس الخيمة على 072053372، وفي عجمان على هاتف 067401616، وأم القيوين على الرقم 999، وفي الفجيرة على هواتف غرفة العمليات 092224411 - 092051100.


إحصاءات

متوسط أعمار المتسولين يراوح بين 18 و35 سنة، وتليها الشريحة العمرية بين 36 و54 عاماً.

المتسولون التقليديون ينشطون في الفترة المسائية، ويستخدمون أساليب احتيالية متنوعة، بين ادعاء المرض، والرغبة في مغادرة الدولة، وعدم العمل، والحاجة للطعام، وادعاء الإصابات الجسدية.

75% من المضبوطين رجال، و25% نساء.


تطبيقات إلكترونية لتوجيه الزكاة إلى مستحقيها

أكد الأمين العام لصندوق الزكاة، عبدالله بن عقيدة المهيري، أن التسول من الظواهر غير الحضارية، التي تسيء لحضارة الإمارات وتحضرها، لافتاً إلى أن تنامي هذه الظاهرة يفتح مجالاً لصور التحايل، للحصول على أموال المحسنين، خصوصاً في شهر رمضان والمناسبات الدينية، إذ يكثف المتسولون وجودهم بالقرب من المساجد والساحات والمستشفيات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بغية «التسول الإلكتروني».

وقال المهيري إن كل فرد على أرض الإمارات مسؤول عن الحد من هذه الظاهرة، فمن عليه زكاة أو يرغب بالتبرع أو التصدق فعليه التوجه إلى المؤسسات والهيئات والجمعيات المنتشرة في أنحاء الدولة، باعتبارها المعنية بتحديد الفئات الأكثر حاجة للمساعدة، كما أنها أكثر حرصاً على تقديم الواجب الإنساني والخيري للفئات المحتاجة في الدولة وخارجها.

وأفاد المهيري بأن قيمة مصروفات الصندوق، منذ العام الماضي حتى الآن، بلغت 305 ملايين و548 ألفاً و792 درهماً، موضحاً أنه تم صرفها على أكثر من ستة مشروعات زكاة، تندرج تحت مصرف الفقراء والمساكين، تغطي كل أشكال احتياجاتهم.

وأوضح أن الصندوق أدخل تطبيقات تكنولوجيا المعلومات على عملية صرف أموال الزكاة، مثل البرنامج الإلكتروني المتميز «محاسبة ومستحقي الزكاة»، والذي اعتبره من أهم البرامج الإلكترونية على مستوى المنطقة، التي تخدم فريضة الزكاة.


سائح يتسوّل من «التحريات»

ضبطت إدارة التحريات والمباحث الجنائية، في شرطة أبوظبي، في فترةٍ سابقة، سائحاً آسيوياً سعى للتسوّل من عناصر يعملون بإدارة التحريات والمباحث الجنائية في شرطة أبوظبي، أثناء وجودهم في مواقف السيارات التابعة لمبنى التحريات، في واقعة طريفة وغريبة في آنٍ واحد.

ولم يدرك المتسوّل (م.ي - 23 سنة - آسيوي) أن شر عمله سيوقعه في قبضة الشرطة، حيث ألجمته المفاجأة فحاول الفرار مطلقاً ساقيه للرياح، لكنه لم يتمكن من الجري والهروب من عناصر التحريات، إذ أطبقوا عليه بعد محاصرته وضبطه بالقرب من مبنى مجاور، وبحوزته 250 درهماً، حصيلة التسوّل.

وكان المتسول ادعى المرض حاملاً جهازاً للتبول اللاإرادي (اشتراه من صيدلية بسبعة دراهم)، مستغلاً أسلوبه الاحتيالي، ليتعاطف الناس مع حالته الصحية.


تلاشي معاني المروءة

اعتبر الاختصاصي الاجتماعي، محمد فرحات، أن التسول إحدى وسائل النصب، التي يستغلها البعض في تحقيق الأموال بطريقة غير أخلاقية، تحت ذريعة إنسانية، مشيراً إلى أن ترك هذه الظاهرة وعدم مكافحتها من البداية من الممكن أن يترتب عليه أضرار مجتمعية منها تلاشي معاني المروءة والإنسانية، نظراً لأن الفرد الذي يكتشف لاحقاً أنه وقع ضحية عملية احتيال، وأن أموال صدقته ذهبت في غير موضعها الحقيقي، من الممكن أن يمتنع مستقبلاً عن مساعدة أي شخص أو حالة نتيجة تشككه المسبق.

وشدد على ضرورة الحذر من «التسول الإلكتروني»، الذي بدأ ينتشر في الآونة الأخيرة، مؤكداً ضرورة إخراج أموال الزكاة والصدقة عبر مصارفها الشرعية.

من جهته، حذر المشرف على مكتب ثقافة احترام القانون بوزارة الداخلية، العميد الدكتور صلاح الغول، من «ممارسة التسول الإلكتروني، دون اللجوء إلى المؤسسات المختصة في هذا المجال، والتي تضمن ممارسة العمل الإنساني، ضمن حدود الضوابط القانونية التي أقرها المشرع في الدولة».

وأكد أن «البعض يستغل مسألة التبرعات، لتحقيق أهدافه الدنيئة بالاستيلاء على الأموال بغير حق باسم الأخلاق والإنسانية، عامداً إلى استغلال تعاطف الجمهور ومستغلين طيبة الآخرين ورغبتهم في كسب الأجر والثواب، من خلال الإسهام في الأعمال الخيرية والإنسانية».


• وزارة الداخلية رصدت ظاهرة جمع التبرعات لحالات مرضية ومعسرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

• انتشار قصص مفبركة وإعلانات لجمع التبرعات لحالات مرضية، من بينها أطفال مصابون بالسرطان.

وأكد أن «القانون نظم وشرع الطرق الرسمية لجمع التبرعات، بصورة تضمن تحقيق أهدافها المرجوة، دون الإضرار بمصالح الناس أو استغلال مشاعرهم للاستيلاء على أموالهم بغير حق»، مناشداً الجمهور عدم الانصياع أو التأثر بأي حملات للتبرع، سواء التقليدية منها أو الإلكترونية، دون التأكد من أنها حملة قانونية تهدف لمنفعة الجميع.

وأفاد الغول بأن «قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية نص على أنه يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تتجاوز 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشرف عليه، أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية، أو وسيلة تقنية معلومات أخرى، للدعوة أو الترويج لجمع التبرعات دون ترخيص معتمد من السلطة المختصة».

الحارس الأمين

وأشار الغول إلى أن «هذه المادة أيضاً جرّمت أي عملية إلكترونية يمارسها أي فرد، سواء كان على علم بهذا القانون أو جهل ذلك، وجمع تبرعات دون ترخيص من السلطات المختصة التي تحددها الدولة في هذا الصدد، بحيث وقفت السلطة موقف الحارس الأمين على مصالح عامة الناس، الذين قد يتعرضون لاستثارة المشاعر، واستغلال العواطف باسم مساعدة المحتاجين».

وتشير إحصاءات شرطة أبوظبي إلى أن «متوسط أعمار المتسولين، الذين جرى ضبطهم في سنوات سابقة، راوح بين 18 و35 سنة، ثم الشريحة العمرية من 36 إلى 54 عاماً».

وبينت أن «المتسولين ينشطون في الفترة المسائية، حيث يستغلون هذا الوقت للتحرك واستجداء الناس، خصوصاً في شهر رمضان، أما الأسلوب الاحتيالي المستخدم من قبل المتسولين يتنوع بين ادعاء المرض ورغبة المتسول في مغادرة الدولة، وعدم العمل، والحاجة للطعام، إضافة لادعاء الإصابات الجسدية».

وذكرت أن 75% من المضبوطين من الرجال، و25% نساء.

ظواهر سلبية

وأكد مستشارون أسريون واختصاصيون اجتماعيون أن ظاهرة التسول من أبرز الظواهر الاجتماعية السلبية، التي يجب على جميع أفراد المجتمع مواجهتها، وعدم التعاطف مع المتسولين في ظل عدم معرفة حقيقة احتياجاتهم ونواياهم في التصرف في حصيلة ما يجمعونه من أموال، محذرين من ظاهرة «التسول الإلكتروني»، التي بدأت في الانتشار أخيراً.

وأكد أستاذ الثقافة والمجتمع بالجامعة الكندية، الدكتور سيف راشد الجابري، أن بعض محترفي التسول يستغلون شهر رمضان وينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتيال على أفراد المجتمع بكل الصور، والقصص المختلقة، تحت غطاء الدين والعجز وقضاء الحاجة، مشيراً إلى ضرورة تحذير المواطنين والمقيمين من أهل الخير بعدم، إخراج زكاتهم وصدقاتهم إلا للمحتاجين ممن يعرفونهم سواء من الأقارب أو المعارف، أو من خلال الأبواب الرسمية الموجودة والمنتشرة في كل أنحاء الدولة.

وقال إن «العطاء دون قيد لا يأمن جانب الشر، ويشجع على استمرار هذه المظاهر الدخيلة على المجتمع الإماراتي»، مضيفاً أن «التبرع بالأموال لأشخاص لا نعرفهم (التسول الإلكتروني) قد تترتب عليه أضرار مباشرة وغير مباشرة، نظراً لعدم معرفة الشخص بمصير إنفاق هذه الأموال ولا إلى من ستذهب وفي أي وجه ستنفق»، مشدداً على أن وضع الزكاة في مصادرها الثمانية المحددة أمر إلزامي، يجب الحرص عليه.

نيات حسنة

وقالت المستشارة الأسرية، عائشة الحويدي، إن عمليات التسول تنشط في فترات معينة من السنة، أبرزها شهر رمضان، لارتباطه عند المسلمين بالزكاة وكثرة التصدق، مشيرة إلى أن بعض ضعاف النفوس ابتكروا «التسول الإلكتروني»، وسيلة للتربح بغير وجه حق، واستغلال كرم المواطنين في الحصول على أموال لا يستحقونها وغيرهم بحاجة لها.

وتابعت أنه يجب تكثيف الرسائل الإعلامية التوعوية، لمحاربة هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع، موضحة أن التسول الإلكتروني يتم عبر رسائل نصية عبر برامج التواصل الاجتماعي «واتس أب»، و«تويتر»، و«فيس بوك»، بالإضافة إلى رسائل البريد الشخصي، مؤكدة أن التسول أصبح عابراً للحدود ويتم من خارج الدولة، وبعض الأفراد يكونون حسني النيات، ويتعاطفون مع هذه الرسائل، ويقومون بمساعدتها دون معرفة حقيقة مرسليها.

وطالبت الحويدي المحسنين وأهل الخير بإخراج صدقاتهم إلى من يستحق، ممن يعرفونهم معرفة شخصية، ويعلمون مدى احتياجهم للمساعدة، أو من خلال الهيئات والجمعيات الخيرية الرسمية المعروفة، التي تدرس الحالات والتأكد منها قبل مساعدتها، حتى يكون الإنفاق في موضعه السليم، عازية انتشار التسول بكل إلى أشكاله إلى طيبة قلوب أفراد المجتمع الإماراتي، وشهرتهم بالكرم والعطاء.

صور الاحتيال

من ناحيته، ذكر الأخصائي النفسي، أحمد موافي، أن الشخصيات التي تمارس مهنة التسول تُعد شخصيات معادية للمجتمع، كما أن التسول نفسه يعتبر صورة من صور الاحتيال، نظراً لأن من يمارسه يحصل على مصدر دخل غير شرعي، لافتاً إلى أن تعاطف البعض مع المتسولين دون التأكد من صدقهم وحاجتهم للمساعدة، يعتبر تشجيعاً لظاهرة التسول.

وتابع أن «مهنة التسول تطورت، واستفادت من التقدم التكنولوجي، وثورة الاتصالات، وأصبحت لا تعتمد فقط على التسول التقليدي القائم على استدرار العطف بطريقة مباشرة، إلى اختلاق قصص وهمية عابرة للحدود، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومطالبة البعض بالتبرع لبناء دور عبادة أو مساعدة منكوبين ومرضى في دول أخرى، خصوصاً في الدول العربية التي تعاني مشكلات اقتصادية وحروباً، ما يؤكد وقوف عصابات منظمة تلعب على استثارة المشاعر الإنسانية، خصوصاً أن مجتمع الإمارات معروف عنه أنه شعب كريم».

التسوّل حرام

من جانبها، قطعت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بتحريم ظاهرة التسول بمختلف أشكاله وحيّله، معتبرة التسول «إحدى الظواهر السلبية الفردية في المجتمع».

وذكرت الهيئة أن «الله عز وجل أمر عباده بأن يسعوا في الأرض ويمشوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه، ويتكسبوا المال من جهات وطرق مبينة في نصوص الكتاب والسنة.»

وقالت: «إن الناس في كسب المال أقسام، منهم من يمتهنه ويبدع فيه، ومنهم من يسلك طريقاً محرماً مخالفاً للشرع بغية الحصول عليه، والتسول من الطرق المحرمة التي أضحت آفة ومهنة يمتهنها البعض ليحقق ثروة، مستغلاً بذلك أخلاق الناس وإنسانيتهم».

تويتر