غياب المعلومات يغذّي «الشائعـــات الذكية»

انضمام المراهقين إلى المجتمعات الإلكترونية يدفعهم أحياناً، بطريقة غير مباشرة، إلى أن يكونوا ناشطين في حلقات الحوار. تصوير: جوزيف كابيلان

هل تهيئ الأزمات الأجواء المناسبة لرواج الشائعات؟ أم أن الأزمة نفسها تصنعها الشائعات؟ وما مدى تأثير أجهزة الاتصال الرقمية، مثل الهاتف النقال و«البلاك بيري» في رواج الشائعات؟ وهل يعاقب القانون مروجيها ؟

هذه الأسئلة وغيرها فرضت نفسها أخيراً مع انتشار شائعات «ذكية» على مستوى الدولة، تزامنت مع الأزمة المالية العالمية، وانتشار فيروس مرض انفلونزا الخنازير.

وأكدت مصادر في شرطة دبي أن الغالبية العظمى من البلاغات التي تلقتها بشأن تلقي شائعات كاذبة العام الماضي، هي بلاغات ضد أفراد، وأنها لم تتعد النسبة التي يمكن تسجيلها في أي بلد آخر في ظل الانتشار الكثيف لوسائل الاتصالات المتعددة في مختلف دول العالم.

لكن خبراء في الإعلام والاتصال قالوا إن دوافع نشر الشائعات متعددة، منها ما هو مشروع، ومنها ما يهدف الى الغش والاحتيال، معتبرين أن الافتقار إلى أجوبة ومعلومات شافية يكون سبباً في ظهور الشائعات غير الصحيحة، أحياناً. وهي وجهة النظر التي أيدها اقتصاديون اعتبروا أن الأضرار السلبية الناتجة عن انتشار الشائعات الاقتصادية الخاطئة تسلط الضوء مجدداً على حاجتنا إلى وجود قانون يضمن حق إعطاء المعلومات سواء لأفراد الجمهور أو للعاملين في وسائل الاعلام.

بلاغات

وأكد مدير إدارة المباحث الإلكترونية في شرطة دبي الرائد سعيد الهاجري، أن البلاغات التي تلقتها شرطة دبي خلال الفترة المذكورة بشأن الشائعات التي يتم تناقلها عبر أجهزة الهاتف النقال والمنتديات الالكترونية، كان معظمها من قبل أشخاص تأثروا سلباً بسبب عداوات شخصية أو خلافات، مضيفاً أن هناك بلاغات سجلتها شركات تعرضت للتشهير من موظفين سابقين.

وأوضح أن بعض من سُرحوا من أعمالهم لأسباب مهنية يلجأوون إلى إلصاق تهم بأصحاب الشركات التي كانوا يعملون فيها، مثل اقامة علاقات مشبوهة، أو عقد صفقات غير قانونية، كما أن بعضهم يشيع معلومات خاطئة حول مستوى نشاط تلك المؤسسات أو أرباحها، إلى حد إشاعة أنباء عن قرب إفلاسها.

أسباب

الأستاذ في كلية علوم الاتصال والإعلام في جامعة زايد الدكتور بدران بدران، قال إن هناك تعريفات متعددة للشائعة في أدبيات علوم الاجتماع والنفس والاتصال، غير أن معظم التعريفات تتفق حول حقيقة أن الشائعة هي تصريح يَصعُب التأكد من صحته على الفور، وأحياناً بعد مرور وقت طويل.

ويضيف بدران أن للشائعة علاقة تاريخية بالدعاية التي تمزج الحقائق بالأكاذيب بهدف التأثير في الرأي العام وتضليله، وزرع الشك في نفوس الناس لأهداف سياسية أو عسكرية أو اقتصادية. وقد يتصل انتشار الشائعات بشكل أو بآخر باقتضاب المعلومات التي توفرها الجهات المخولة بالافصاح عن المعلومات، ووضع قيود على الإعلان عن المعلومات التي يمكن أن يصرح بها أهل الخبرة والاختصاص.

أما الأسباب التي يمكن أن تجعل بعض أفراد المجتمع طُعماً سائغاً للشائعات الكاذبة، فتعود الى عوامل مختلفة، إذ تبين دراسات عدة، وفقاً لبدران، أن الجميع معرضون للشائعات بدرجات متفاوتة وفق أوضاعهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ووفق متغيرات السن والتعليم ومكان الإقامة، كالاقامة في المدن مقابل البادية أو الريف، إضافة الى المستويين الاجتماعي والاقتصادي. وأضاف أن هناك عوامل أخرى لها صلة بمضمون الشائعة، فهناك شائعات ذكية جداً، تُبنى في مجملها على حقائق معروفة، أو يمكن تقبلها، وشائعات نقيمها على أنها محتملة، نظراً لأنها تنسجم مع الظروف السائدة.

كما أن لتوقيت الشائعة أيضاً دوراً في تقبلها وانتشارها، فتوقيت الشائعات المتداولة حالياً عن أعداد المصابين بمرض أنفلونزا الخنازير مناسب بالنظر إلى تفشي المرض في دول أخرى.

ولفت بدران إلى أن بعض الناس لا يملكون الحس النقدي الضروري لمراجعة ما يصلهم من رسائل أو معلومات، فيقبلونها على علاتها.

وفي الجانب الآخر، يتابع بدران، هناك من يؤمنون بنظرية المؤامرة في معظم شؤون حياتهم، وهم أكثر استعداداً لتصديق الشائعات التي تنسجم مع معتقداتهم أو نظرتهم للأمور.

وأضاف أن ذلك لا ينفي وجود جهات كثيرة تنشر المعلومات لها دوافع مختلفة، بعضها مشروع والبعض الآخر غير مشروع ويهدف إلى الاستغلال أو الاحتيال أو الإيقاع بالأطفال والشباب .

من جهته، استعرض الهاجري بعض ملامح وصفات مُطلقي الشائعات، مبيناً أن حب الثرثرة غالباً ما يكون سمة أساسية في شخصية مطلق الشائعة، كما أن محاولات إرضاء الغرور، والخلل في التركيبة النفسية، يشرحان دوافعه.

وكشف أن شخصاً ضُبط يوزع ملصقات في أماكن متفرقة من مدينة دبي، داعياً الناس الى الجلاء عن المدينة لأنها ستصبح مدينة أشباح بعد أن يهجرها سكانها بسبب تردي الوضع الاقتصادي.

وقال إن تحقيقات الشرطة أشارت إلى أنه كان ضحية حالة من الهلع والخوف استولت عليه بسبب فهمه الخاطئ للأخبار التي تلقاها عن تطورات الأزمة الاقتصادية العالمية، فشلّت تفكيره ودفعته الى كتابة هذه الملصلقات وتوزيعها.

وقال إن المتهم الذي تم تحويله للنيابة العامة اعترف بخطئه واعتذر، وأكد أن خوفه على مصلحة أقرانه وجيرانه حمله على محاولة تحذيرهم وتنبيههم مما اعتقد هو أنه خطر محدق.

الشفافية والتوعية

وعن علاقة انتشار الشائعات بنسبة الشفافية في نقل المعلومات والإعلان عن الأسباب الحقيقية للأزمات من الجهات المعنية، ذكر بدران أن الشائعات تزدهر عندما يكون هناك نقص أو فراغ في المعلومات، وأن الإعلام النشيط الذي يقدم كل المعلومات التي يحتاج إليها الفرد في الوقت المناسب يسهم إلى حد كبير في إفراغ الشائعة من مضمونها، في جعلها غير ضرورية.

أما المستشار المالي وخبير التأمين والاستثمار صلاح الحليان، فأشار إلى أن عدم الشفافية في إعطاء المعلومات وتداول البيانات الاقتصادية والمالية يهيئ الظروف لكثير من عمليات الغش والتدليس، وهو الأمر الذي يزعزع الثقة في المكان والنظام الاقتصادي المعمول به فيه. وأكد أن عدم المصداقية في إعطاء المعلومات الاقتصادية لا يفسح المجال أمام انتشار الشائعات فحسب، بل يؤدي الى عدم وضوح في الرؤية الاقتصادية وتقييم الواقع الاقتصادي استناداً الى مؤشرات وبيانات خاطئة تغاير الواقعين المالي والاقتصادي، الأمر الذي تترتب عليه عواقب وخيمة.

واعتبر الهاجري أن انعدام الشفافية في نقل المعلومات ليس السبب في انجراف شريحة المراهقين، على سبيل المثال، نحو تأليف الشائعات أو تلقيها ونشرها، بل إن انضمامهم الى المجتمعات الإلكترونية يدفعهم أحياناً، بطريقة غير مباشرة، إلى أن يكونوا ناشطين فى حلقات الحوار التي تعقدها تلك المجتمعات، فيلجأون إلى إبراز قدراتهم بنقل وتداول الشائعات التي تصلهم من دون أن يتحروا صحتها.

وتتعدد سبل مواجهة التضليل المعلوماتي، فقد يطرح البعض إعطاء دور أكبر لأجهزة الرقابة الإعلامية في منع عمليات التضليل وعدم إفساح المجال لانتشار الشائعات، غير أن بدران أكد أن الحل لا يكون من خلال الرقابة بل من خلال توعية وتثقيف الناس كباراً وصغاراً، بالأسلوب الأمثل للتعامل مع الشائعات وغيرها من المعلومات غير الصحيحة، وحثهم على عدم تقبلها أو نشرها، لافتاً إلى أنه إذا سبقت المعلومة الصحيحة المعلومة الخاطئة فإنها تحرمها من (الأوكسجين) الضروري لبقائها.

ولكنه أكد أن القضاء على الشائعات تماماً أمر بعيد المنال، فهي موجودة في معظم المجتمعات.

وسائل التصدي

لعل أهم الاستراتيجيات الفردية الفعالة في التحصن من الوقوع فريسة سهلة للشائعات، هو الرجوع الى المعايير الواجب اتباعها للتدقيق في مصادر المعلومات، والتأكد من صحتها.

وعن هذه الاستراتيجية قال بدران انه يجب على الفرد التدقيق والتمحيص في المعلومات التي تصله، والتأكد من أنها جاءت من مصادر موثوقة، ومن أشخاص يعرفهم، وأن موضوعاتها تحتمل الصدق وليست خيالية، مثل الوعد بمضاعفة الأموال من خلال جهاز ما.

أما الهاجري فاعتبر أن الإجراءات الواجب اتخاذها لمحاربة انتشار الشائعات، تتركز أولاً في قيام الأهل بدورهم نحو أبنائهم، ومتابعتهم لتصرفاتهم، والقرب منهم، ومحاورتهم، ومحاولة سد كل مساحات الفراغ في حياتهم بموضوعات مهمة ومفيدة.

وأشار كذلك الى الدور المهم الذي تلعبه وسائل الإعلام في توعية الجمهور، والتزامها بتوخي المصداقية والمعايير المهنية في نقل الأخبار والمعلومات، معتبراً أن في الأمرين وسيلة فعالة، وتودي الغرض أكثر من أي إجراءات قانونية ملزمة.

 

شائعات اقتصادية



طالت الشائعات القطاع الاقتصادي بما لا يقاس، منذ توارد الأخبار عن الأزمة الاقتصادية العالمية، فتناقلتها أجهزة الهاتف النقال، كما تداولتها اللوحات الالكترونية لبيانات أسواق المال.

وعن تأثير الشائعات المتعلقة بالحقائق الاقتصادية، قال المستشار المالي وخبير التأمين والاستثمار صلاح الحليان، إن إخفاء المعلومات في ما يتعلق بقضايا تمس حياة الفرد والمجتمع، مثل القضايا الاقتصادية، يفسح المجال أمام تداول المعلومات الخاطئة التي تؤثر بدورها سلباً في مستوى النشاط الاقتصادي، سواء على نشاط الأسواق المالية أم غيرها من أنشطة التبادل التجاري، لاسيما أن العامل السيكولوجي يؤثر في اتخاذ القرارات الاقتصادية من بيع وشراء واستثمارات.

وقال الحليان إننا نفتقر الى وجود قانون حق إعطاء وتوفير المعلومات، الأمر الذي يتيح المجال لانتشار الشائعات، خصوصاً في وقت الأزمات والكوارث.

وضرب مثلاً على انتشار الشائعات الاقتصادية، موضوع ربط العملة الخليجية الموحدة والمرتقبة في العام 2010 بالدولار الاميركي. وقال إنه لم يكن لها أي أساس من الصحة إلا أن يكون هناك أسباب تتعلق ربما برغبة البعض في إثارة التضارب والبلبلة حول موضوع مهم كهذا، أو يتعلق بمحاولة لمعرفة مزيد من التفاصيل.

 


تويتر