هل تنهار الرأسمالية؟

سلمان الدوسري

نهرت الولايات المتحدة، والدول الغربية عموماً، حكومات دول شرق آسيا من مغبة أي تدخل بعيد انهيار أسواق المال في عام .1997 عادت الكرة، وبدأت ملامح الانهيار الكبير في الاقتصاد الأميركي، هنا أقرت الحكومة الأميركية خطة لإنقاذ اقتصادها تبلغ قيمتها 700 مليار دولار بالتمام والكمال.

ربما السلطات الاميركية لم تكن يدها في النار، عندما ضغطت على الدول الآسيوية قبل 10 سنوات، لتعود وتناقض ما كانت ترفضه، وهو ما أثار تعجب رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد، الذي قال إن واشنطن نصحته بل ونهرته بألا يتدخل، وها هي تتدخل لصالح الأثرياء على حساب المواطنين البسطاء، فهل انهارت الرأسمالية؟

لست في معرض الحديث عن جدوى مثل هذه الخطة من عدمها، فالأيام المقبلة كفيفة بذلك، غير أن الحديث عن نظام رأسمالي حرّ مضت عليه عقود طويلة، من دون أي تعديل أو إضافة، لا يعني أن يكون هذا النظام مقدساً وغير قابل للتطوير أو حتى للإلغاء، وحسناً فعل الرئيس الفرنسي ساركوزي، عندما دعا إلى قمة عالمية لوضع «أسس اقتصاد عالمي جديد»، بعد أن ناقضت الولايات المتحدة السياسة التي تتبعها، بتدخلها في أسواق المال، فهل آن الأوان بالفعل لنظام اقتصادي عالمي جديد.

لاشك أن الأزمة المالية العالمية ستتأثر بها كل دول العالم، بل إن كل فرد على هذا الكوكب سيصاب بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خصوصاً أن الاقتصاد الاميركي - شئنا أو أبينا - هو الشريان الرئيس للاقتصاد العالمي ككل، وسقوط الاقتصاد الأقوى عالمياً سينعكس سلباً على العالم بأسره، كما أنه ليس من المبالغة القول إن أفضل الحلول التي ستخرج بها الأزمة، هو تخفيف أثرها، وليس تلافيها بالكامل.

لكن يمكن القول إن أهم ما خرجنا به، أن الدولة يجب أن تبقى هي الراعي الرئيس لاقتصادها، وتدخلها عبر آليات محددة وفي أوقات الأزمات الصعبة، أمر مطلوب، بعيداً عن ترك الأمور فقط لنظريات قوى السوق التي يمكن أن تختل، وبقوة كما حدث في الأزمة الحالية. بالطبع ليس المقصود أن يكون التدخل الحكومي في أسواق المال هو القاعدة، ومع كل عطسة لهذه الأسواق، لكن من الضروري أن يكون للحكومات دورها إن اعتل الاقتصاد باعتباره عصب الدولة.

هناك من يستدل بتدخل الحكومة الأميركية لينادي بتدخل الحكومات الخليجية في أسواق المال المنهارة، وهذا بالتأكيد ربط غير منطقي وتبسيط في غير محله، فمهما فعلت الحكومات الخليجية لن تستطيع إيقاف هذا المدّ العالمي. لكن ربما هذه التجربة تعطي المسؤولين الاقتصاديين بالمنطقة فرصة لتغيير نظرياتهم، فلا يترك لقوى العرض والطلب التلاعب بالأسواق حتى تتضاعف أموال المستثمرين عشرات المرات والحكومات تتفرج، وتتلاشى كل هذه الأموال من جديد، ولاتزال الحكومات تتفرج، بعد أن لم يبق لها إلا أن تتفرج عساها تستفيد من هذه الأزمة.

5 دقائق

تويتر