من المجالس
|
|
|
|
سقطت الشيوعية نظرياً لأنها خالفت الفطرة وقمعت روح التحفّز وقتلت التميّز تحت جنح المساواة. وسقطت تطبيقاً لأنها خالفت نظرياتها الداعية إلى إلغاء الطبقات فشكلت تركيبة طبقية جلست فيها البيروقراطية الحزبية على صدر سائر شرائح المجتمع، فقسمت المجتمع إلى طبقة كادحة جعلتها وقود النظرية الاشتراكية، وطبقة الصفوة الحزبية التي صار أفرادها أكثر برجوازية وأرستقراطية من غرمائهم الرأسماليين.
واليوم تترنّح الرأسمالية لأنها بالغت في وحشيتها، وأوغلت في ترسيخ الفردية، وبرعت في صناعة الأنانية، وغيرت الكثير من المفاهيم الإنسانية، وحيّدت دور الدولة، ووظفته لخدمة مصالح دعاتها ورجالاتها وشركاتها. فقسمت المجتمعات البشرية إلى تاجر يبيع ويراكم الأموال، ومستهلك يلهث ويراكم الديون، فدارت السيولة حتى دارت رؤوس كل من دخل في رحى النظرية، ثم طارت في اتجاه لا يمكن أن يكون مجهولاً، ولايمكن أن تكون قد تبخرت وتحولت إلى دخان الفضاء. ومع هذا الدوران صار القليل الذين هم اللاعبون الأساسيون في مأمن من نضوب ما في الجيوب، بل في وضع تضخم الجيوب. بينما أصبح غالبية «عوام» اللعبة مهددين بالطرد من مساكنهم، والإقالة من وظائفهم، وتعطل أرزاقهم، وخسارة ما تبقى من مدخراتهم.
في الحالة الأولى (الشيوعية) عاد الحل ليلامس الفطرة من خلال الاقتناع بعبثية إلغاء الدولة وفكرة المجتمع المشاع إلى الاعتراف بالمبادرة الفردية. وفي الحالة الثانية وجدت مؤسسات وشركات ومنظرو الرأسمالية أن لا ملجأ ولا منجى من أزمة الجشع الفردي والطمع الطبقي إلا باللجوء إلى الدولة، فتضطر اليوم معظم دول العالم الرأسمالي الكبرى للأخذ بمبدأ التأميم ووضع اليد وهي التي حاربته في دول بعيدة عن حدودها. وفي الحالتين تبقى الأرض تحت أقدام المجتمع البشري غير آمنة من الهزات والزلازل لأن قرارها لايزال في يد أصحاب المصالح الذين يصّرون على الإمساك وحدهم بأطراف اللعبة وإن تاهت عنهم وتاهوا هم عنها.
adel.m.alrashed@gmail.com
|