عائلات الفارّين من غزة تدفع ثمن الانقسام

أبناء بعض الفارين إلى مصر لا يعرفون آباءهم. الإمارات اليوم


أفرزت حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية الكثير من المشكلات الاجتماعية بين المواطنين، فقد دفعت بعض العائلات ثمن الخلافات السياسية، وحُرمت من أبنائها الذين فروا من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية في الرابع عشر من يونيو عام 2007، خوفاً من أن تطالهم حمم الاقتتال الداخلي بين حركتي «فتح» وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، التي راح ضحيتها العشرات من الطرفين، ومن المواطنين الذين لا ذنب لهم.

 

وخلّف الاقتتال الفلسطيني الداخلي مظاهر إنسانية داخل هذه العائلات، فهذا طفل لا يعرف والده الذي غادر غزة وهو رضيع، وأم فقدت أكثر من ابن من أبنائها، وعائلة حرمت من ابنها الوحيد الذي كان يعيلها، وهناك من توفي أحد والديه في غزة من دون أن يودعه.

 

«الإمارات اليوم» التقت بعض هذه العائلات لرصد المعاناة التي تمر بها.

وتعد عائلة بكر، أكثر العائلات التي فقدت أبناءها الذين فروا إلى مدينة العريش المصرية بسبب خلافات الفصائل الفلسطينية، وبلغ عدد الفارين منها أكثر من 65 شخصاً، كما فقدت العائلة 11 من أبنائها الذين سقطوا جراء الاشتباكات المسلحة، ومنهم سيدتان إحداهما كانت حاملاً.

 

يقول أبوشادي بكر، الذي فر اثنان من أبنائه بالإضافة إلى 14 من أبناء أخيه «إن عائلة بكر من العائلات الأصيلة والمقيمة في قطاع غزة منذ زمن، وقد تضررت بشكل كبير من حالة الانقسام والاقتتال الداخلي بين قطبي الخلاف الفلسطيني، حيث فقدت العشرات من أبنائها، وقد فر اثنان من أبنائي بالإضافة إلى 14 من أبناء أخي، ومعظمهم ليسمن منتسبي الأجهزة الأمنية، كما حرمت من ابني محمد الذي استشهد أثناء الاشتباكات بين فتح وحماس».

 

ويضيف «لقد غادر ولداي شادي ومحمود حياتنا مخلفين في قلوبنا جراحاً كبيرة، وتركا زوجتيهما وأطفالهما الرضع الذين لم يعرفوا أبائهم إلا من خلال الصور».

ويقول أبوشادي، وهو يحمل أحفاده، إن «حياتهم مليئة بالحزن العميق منذ فراق أبنائهم قبل عام ونصف العام، حيث غابت ملامح الفرحة في شهر رمضان والأعياد، مشيراً إلى أن الفرحة لا مكان لها في حياتهم في ظل بعاد الأحبة».

 

وكانت أم شادي بكر تتحدث مع ابنها محمود، الموجود في مدينة العريش، عبر البريد الالكتروني الذي بات طريقتهم الوحيدة، بالإضافة إلى الهاتف النقال، للتواصل مع أبنائهم الفارين من غزة، بينما كانت تحمل حفيدتها صباح (عامان) التي كانت تخاطب عمها عبر الميكروفون الموصول بالكومبيوتر.

 

وتقول أم شادي باكية «لقد نفد صبري على بعد أبنائي عني، ولم أعد احتمل فراقهم، لقد اشتقت إليهم بصورة لا توصف، فيكفيني أنني فقدت ابني محمد ضحية الاشتباكات، وأريد أن يعود لي أحبابي شادي ومحمود، فنحن الأمهات والعائلات لا ذنب لنا أن نُحرم من فلذات أكبادنا بسبب خلافات الكبار السياسية، إنهم أعزاء على قلوبنا مثل أي أم في فلسطين والعالم».

 

وتطالب أم شادي حركتي «فتح» و«حماس» والقيادة المصرية التي ترعى الحوار الفلسطيني، بأن يتم طرح قضية عودة أبنائهم على طاولة الحوار.

 

وتضيف «لقد حرمت أنا وكل العائلات من أبنائنا لخلافات سياسية على مناصب ومصالح بين الفصائل، وعليهم أن يعيدوا لنا أبناءنا ضمن مباحثاتهم، فلن ينجح الحوار  من دون حل للمعاناة التي نمر بها، لأن العائلات قد تنفجر في وجه من تسبب في حرمانها من أبنائها».

 

أما سليم الفتياني، أحد الموجودين في مدينة العريش المصرية، فقد ترك خلفه في غزة طفلتين الأولى عمرها ثلاثة أعوام والثانية عام ونصف العام، لا تتعرفان  على ملامحه، بالإضافة إلى زوجته ووالديه وبقيه أهله.

 

وتتساءل أم لطفي والدة سليم الفتياني «ما ذنب الأطفال أن يحرموا من أبيهم وهم أطفال في عمر الزهور؟ لماذا تسلب منهم كلمة «بابا» التي ينعم بها بقية الأطفال؟ لقد غادر ابني غزة وابنته الكبرى لا تعرف ملامحه حيث كانت رضيعة، بينما الثانية كانت جنينا في بطن أمها».

 

وتقول أم إياد بدوية، والدة أحد الذين فروا إلى الأراضي المصرية، «إن الأمهات  يكتوين بفراق أبنائهن الذين حرمن منهم بسبب أحداث الاقتتال الداخلي من دون أي ذنب ارتكبوه، فأنا مشتاقة كثيراً إلى ابني الوحيد، خصوصاً أنه كان يعيلني بعد وفاة والده، وابني إياد واحد من آلاف الموظفين في الأجهزة الأمنية، وليس جميعهم ينتمون إلى حركة «فتح، لكن الجميع كانت حياته مهددة في ظل الأحداث الدموية التي لم ترحم الجميع.
 
تويتر