فضيحة المحللين

سلمان الدوسري


يبدو أنه لم تبق كلمة أو جملة لم تُقل في تحليل أسواق المال الخليجية، ويبدو أيضاً أنه لا كلمة أو جملة من تلك التي قيلت صدقت في تفسير ما حدث، فبدت أسواق المال عصية على المحللين وأشباه المحللين، وهم كثر، واستمرت الأسواق في انهيار بعد انهيار، فيما المستثمرون بانتظار الانهيار الأخير. ما حدث في أسوأ أزمة تهز الاقتصاد العالمي منذ قرن، لابد أنها تركت بصماتها وآثارها السلبية على الجميع، من حكومات وقطاع خاص وأيضاً أفراد، والعديد من الدروس لابد من استيعابها مما حدث من هذه الأزمة، التي من المؤكد أنها ستستمر وقتاً ليس بالقليل.
 
 أول هذه الدروس، في رأيي، إعادة النظر في هؤلاء المحللين الذين ما انفكوا يخرجون ويحللون ويخطئون ويعودون في اليوم التالي للتحليل من جديد، والخطأ بطبيعة الحال، وهكذا استمروا في عملهم دون أي رقيب، بل ودون أن يجدوا من يوقفهم عند حدّهم في التمادي الخطر والتلاعب بأموال المستثمرين.

 

 انظر حولك عندما تقرأ الصحف اليومية أو تشاهد القنوات الفضائية، لن تجد من هؤلاء المحللين إلا عبارات مكررة وجملاً مسروقة، غالبية من يظهرون لم يصدقوا في تحليل واحد، وكانت كل توقعاتهم خاطئة، ومع هذا يستمرون في الظهور بلا حياء يومياً. لا أعرف مقاييس ظهور هؤلاء أمام الجمهور حتى أصبحوا مثل الوجبة السمجة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، غالبيتهم أخطأ كثيراً، وتسبب في خسائر جمة للمستثمرين، لكن عدم الاكتراث، وعدم وجود أطر تنظيمية تسمح بمحاسبتهم، تجعل من ظهورهم استرزاقاً وبحثاً عن أهداف خاصة، أكثر منه تحليل منطقي على الأقل قريب من الواقع، وليس عكسه تماماً. لم يصدف أبداً أن سُئل أياً منهم واعتذر عن الإجابة، لم نسمع أن أحداً قال: «لا أعلم»، فكلهم على قدر كبير من العلم والفتوى في أسواق المال المحلية والإقليمية والعالمية، غير أن اليوم التالي يكشف حقيقة هذه التحليلات.

 

وكم أتمنى أن يقوم أحد البرامج المتخصصة بإعادة تسجيل آراء المحللين وبثها في اليوم الثاني، لنعرف هل كان حديثهم صحيحاً أو حتى قريباً من الصحة، ولنكشف آراءهم البعيدة كل البعد عن ما يحدث في أسواق الأسهم. لا أبالغ كثيراً إذا قلت إن معشر المحللين الفنيين والاقتصاديين المختصين في هذا المجال، غثهم أكثر من سمينهم، ومن استطاعوا أن يكسبوا احترام وثقة المستثمرين يبدون قلة قليلة أمام جيش من محللي الإعلام، طغوا في الإعلام وشرعت لهم الأبواب، والمصيبة أن أياً منهم لم يستح وهو يخطئ بشكل متكرر.

 

على ذكر الحياء، كنت أشاهد إحدى القنوات الفضائية، عندما أحرجت المذيعة النبيهة أحد المحللين إياهم، فقالت له حديثك قبل أسبوع يناقض ما تقوله الآن، غير أن المحلل الجهبذ كان سريع البديهة عندما رد بالقول: هنا العامل النفسي اختلف لدى المتعاملين. لم يستح إطلاقاً من هذا الرد، ويبدو أن المذيعة نفسها استحت من أن تفضحه على الهواء.. فسكتت عن الكلام المباح. 
 
 
 
تويتر