البرستيج الخليجي

سلمان الدوسري

 

يخرج من منزله بعد أن غسل العامل الآسيوي سيارته جيداً، متجهاً إلى محطة الوقود، ليقوم العامل الآسيوي أيضاً بتعبئة خزان السيارة. يذهب لمركز التسوق فلا يستطيع أن يسير بضعة أمتار، فيسلم سيارته للعامل الآسيوي ذاته، ليوقفها بدلاً منه، حتى إذا أشترى احتياجاته من الهايبر ماركت، لم يستطع أن يدفع عربة التسوق فدفعها بدلاً منه العامل «ما غيره»، ونأتي بعد ذلك لنسأل: لماذا تغيب المسؤولية الاجتماعية عن أفراد المجتمع.

 

ماذا يعني قرار الحكومة الإماراتية بتعميم فكرة الخدمة الذاتية في محطات الوقود؟ لن أتحدث عن القرار من جهة الاستغناء عن العمالة الهامشية، وهي خطوة مهمة بكل تأكيد، لكن مثل هذا القرار يفتح الباب على مصراعيه لإعادة النظر في رؤيتنا السلبية للأعمال اليدوية. لماذا الكثير يتعفف عن هذه الأعمال وغيرها؟ ببساطة لأنه لم يكلف نفسه يوماً من الأيام بالقيام بها. في كل دول العالم تعبئة الوقود تتم بالخدمة الذاتية، إلا في دولنا العربية الحال ليست كذلك، المسألة لا تتوقف هنا فقط، خذ عندك، في جميع مطارات العالم. المسافرون، أثرياؤهم وفقراؤهم، يحملون حقائبهم بأنفسهم من دون خدمة مدفوعة كما هي لدينا. نحن فقط من نتعفف عن أي عمل، ولو كان لأنفسنا، فالبرستيج الخليجي لا يسمح!

 

العديد من السلوكيات الخاطئة جُبل عليها المجتمع وكأنها من المسلمات التي لا تتغير، انظر إلى الخدمة الذاتية بالطريقة الخليجية، تقود سيارتك إلى مغسلة الملابس أو متجر المواد الغذائية، ولا عليك سوى الضغط على منبه السيارة، يحضر إليك العامل الآسيوي سريعاً لإحضار طلبك إليك، والويل والثبور لو تأخر قليلاً، فالشارع بأكمله سيضج بمنبه السيارة، ونأتي بعد ذلك لنستغرب من عدم شعور الجيل الجديد بالمسؤولية، الجميع يسأل لكن لا أحد ربّى أبناءه على أن مثل هذا السلوك خاطئ بالثلاثة.

 

 صحيح أن الدافع الرئيس للخطوة الحكومية بالاستغناء عن العمالة الهامشية، هو إغلاق ملف التركيبة السكانية المختلة، غير أن توجيه المجتمع وفتح آفاقه لتغيير سلوكيات خاطئة عاش عليها عقوداً طويلة، لن يأتي إلا بقرارات حكومية كهذه. المجتمعات لا تتغير وتترك سلبياتها من دون قائد لها، والحكومات هنا هي القائد الذي من خلاله يمكن أن ترفع مستوى المسؤولية الاجتماعية، المتدني أصلاً.

 

هناك من يربط توفير هذه الخدمات بالقدرة المادية، وهذه لعَمري مصيبة ما بعدها مصيبة، فأن تملك المال لا يعني أبداً أن تكون عالة على هذا المال التعيس، لن نتحدث عن عدد الخدم والحشم في منازلنا، ولا عن كم عدد السائقين والمزارعين وقبيلة بني آسيا كلها في المنزل. نتحدث عن أن الاستثمار الحقيقي هو في تقدير المسؤولية حق قدرها، استمتع بأموالك كيفما شئت، واصرفها كما يحلو لك، لكن تذكر أن عليك مسؤولية أمام المجتمع، بل وأمام أبنائك، وهذا هو المهم، وإلا كيف نربي أبناءنا على المبادئ والفضيلة، ونحن لا نطبقها إلا نادراً، بل وننتهكها يومياً أمام أنظارهم، ثم نتصدر المجالس ونسأل: لماذا الجيل الجديد هكذا؟


 
ssalmand@gmail.com

تويتر