من المحظوظ؟

سلمان الدوسري

 

 

 

كم هو محزن أن يحل شهر رمضان الكريم، بينما أقرب الناس بعيد عنك. أناس لا تشعر بأهميتهم إلا بعد أن تفقدهم، فتتذكر أياماً خلت كانوا أمامك وحولك، غير أنك لم تعطهم حق قدرهم. نتحدث هنا عن أقرباء وأصدقاء، فما بالك لو كان من نتحدث عنه أحد الوالدين. أحد الأصدقاء قال لي «كم أنت محظوظ يا من والداك على قيد الحياة» يرد بها عليّ، بعد أن سمعني أردد، في إشارة إلى صحة والدي ووالدتي المتدهورة، «كم أنت محظوظ يا من والداك بصحة وعافية»، فأسقط في يدي، بعد أن ظننت أنني أتعس الناس.

 

 

بالتأكيد لا يقدّر حق الوالدين إلا من فقدهما، أو ابتعد عنهما لمرض. صحيح فقدهما هو حكمة ربانية لا اعتراض عليها. غير أني وغيري مطالبون بالتذلل لأمهاتنا وآبائنا كلما سنحت لنا الفرصة، ألم يقل الله في محكم كتابه العزيز «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة»، وكم وجدت في هذا التذلل سعادة غامرة لا تضاهيها سعادة، وحلاوة يعلم الله أني لم أتذوقها في حياتي، بينما الكثيرون بيننا لا يقدرون تلك النعمة التي أنعمها الله عليهم بصحة والديهم، وقربهم منهم. وآخرون يتعاملون مع والديهم بالقطعة، إذا صح التعبير، وكأنها جزء روتيني من الحياة، أقل ما يقولونه لهما «أوف»، وهو ما نهى الله عنه، فكيف بعصيان أو قطع رحم أو ترجيح كفة زوجة- مثلا- عليهما؟ فأي حياة يحياها مثلا هذا الابن العاق؟

 

 

فيا من لديك والداك يرفلان في ثياب الصحة والعافية، أعلم أنك محظوظ بنعمة يغبطك عليها الآخرون، انسَ لهفتك للمال والجاه والوظيفة واحبُ إليهما، قبّل قدميهما واحضن ثراهما، اجثُ على ركبتيك وتمتع بنعيم رضا الوالدين، ولا تعتقد أنك تعيس لعدم حصولك على نصيبك من الدنيا، فوالله لا أتعس من شخص لا يحظى برضا والديه، ولا تغبط من أنعم الله عليه بالمال، بل اغبط من حباه الله رضا وحب وقبول والديه، فغدا أسعد الناس جميعاً بلا منازع.

 

 

فما هي آخر مرة ذهبت فيها عزيزي القارئ لوالدتك وقبلت رأسها ويدها وحتى رجلها بلا مناسبة؟ وهل تعتقد أن تعبيرك عن حبك لأمك يحتاج إلى مناسبة؟ متى تذللت لوالدتك حتى شعرت بأنك لمست فؤادك وعدت طفلاً صغيراً بين ذراعيها، فإنها لذة لا تعادلها لذة، وشعور رائع لا يضاهيه حب. اذهب لوالدتك الآن وليس غداً، وأحنُ عليها وأعلم أنها بحاجة أكثر منك لمثل هذا الحنان والحب.

 

 

يحاججني ابني ذو الست سنوات بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم، في سبيل تبرير محبته لوالدته أكثر مني، بالقول ببراءة الأطفال «أنا أحب ماما ثم ماما ثم ماما ثم بابا»، أما أنا فلا أقول له سوى أنعم بحبك لوالدتك، واستمتع بتذللك تحت قدميها، فأنت في نعمة يغبطك عليها الكثيرون الذين لا يستطيعون القيام بذلك.. وأنا أولهم.  

 

 

ssalmand@gmail.com 
تويتر