سائقون بلا ذوق

سلمان الدوسري

 

منذ الصغر ونحن نسمع ونردّد العبارة المرورية الأشهر «القيادة فن وذوق وأخلاق». لا أشك أن سائقينا فنانو قيادة من الدرجة الأولى، أما الذوق والأخلاق فلا أظن أن هناك بقية باقية منها، وجولة سريعة في شوارع أهم العواصم الخليجية، لاحظوا أني لم أقل القرى والأرياف فتلك حكاية أخرى، ستكشف لنا مئات القصص المتنوعة والعجيبة عن قائدي سيارات لا يرون إلا مركباتهم تمشي بخيلاء في شوارع المدينة.

 

ليست مبالغة إذا قلت إن الذوق مفقود مفقود مفقود لدى السواد الأعظم من السائقين. الكل يبحث عن الصدارة في مشواره اليومي، لا يهم إن كان بالطرق المشروعة أو غيرها، المهم أن ينتهي من هذا المشوار بأسرع الطرق، كما ليس ضرورياً إن تسبب في الاعتداء على حقوق الآخرين، فعنواننا الرئيس في القيادة: لنا الصدر دون العالمين أو القبر.

 

المشكلة الأبرز في شوارعنا هي الود الغائب بين السائقين، فكلٌّ يعتبر الآخر منافساً له على المستوى الشخصي، وعلى هذا الأساس يتعامل في كل تفاصيل قيادته اليومية، لا نتحدث هنا عن قوانين مرورية مثل تجاوز السرعةألا القانونية أو قطع الإشارة أو الوقوف المزدوج، حديثنا ينصب على القيادة بذوق واحترام الآخرين والتعامل برّ مع ما يمكن تسميتهم زملاء الطريق، بدلاً من أن يعتبر كل منا الآخرين منافسين يجب التخلص منهم، أو على الأقل عدم إعطائهم الفرصة بأي طريقة كانت.

 

عندما تقود سيارتك في إحدى الدول المتقدمة، لا يتعاملون على أساس الجنسية، ولا ماذا تعمل، ولا نوعية سيارتك، ولا رقمها المميز، ولا حتى أصلك وفصلك ونسبك الذي لا يضاهى، يتعاملون فقط على أساس أنك زميل في الطريق، وعلى هذا الأساس تكون الكلمة العليا للذوق العام، الذي يوضع في صدارة الاهتمام حتى على القانون نفسه في بعض الأحيان، لذا ليس غريباً أن تكون الابتسامة رفيقاً لهم في مشوارهم، بدلاً من العبوس الذي لا يفارق سائقينا.

مشهدان مروريان لا يمكن أن أنساهما، حضرتهما في مدينة دوسلدوف الألمانية قبل سنوات، الأول على أحد الطرق السريعة وكان الازدحام شديداً في منتصف الليل بسبب أعمال صيانة دورية، وبعد نحو ساعتين من السير ببطء وصلت لموقع الصيانة الذي تسبب في جعل السير يختصر من ثلاثة مسارات إلى مسار وحيد فقط. المفاجأة تمثلت في أنه من دون رجال مرور ينظمون السير، كانت المسارات الثلاثة تنظم نفسها آلياً، فالدور في المرور يكون على سيارة من كل مسار وبالترتيب وكأنهم مبرمجون آلياً.

 

الموقف الثاني عندما كنت أراقب الشارع العام من شرفة الفندق، وكانت الساعة تشير إلى الخامسة فجراً، والشوارع خالية إلا من ذلك الرجل الذي وقف محترماً الإشارة الحمراء بانتظار تحولها خضراء، وبالفعل بقي منتظراً وحده تحت المطر حتى اخضرت، فمضى في طريقه. آه.. نسيت أقول لكم إن هذا الرجل كان واقفاً باحترام لإشارة المشاة وليست إشارة المرور العادية.

 

 

ssalmand@gmail.com
تويتر