اليد الموجوعة
|
|
|
| لا أدري إن كان كافياً أن يجلس كاتب ما في غرفة مملوءة بالسجائر أو العطور ليكتب رواية يمكن لها أن تقارن مثلاً برواية فرانسيس فيتزجيرالد «غاتسبي العظيم» وسياقها التاريخي، رغم أن هذه الرواية من كلاسيكيات القرن العشرين، ولكنها أرّخت لحقبة زمنية محددة، واحتوت على ملخص أحداث يمكن لأي قارئ أن يعيش فيها كما لو أنها حدثت للتو.
ثمة طفرة رواية نسوية تدير عجلات المطابع الآن وتملأ المعارض! ثمة جيل نسائي يكتب في منطقة واحدة ويشهق بعبارات متشابهة ويركز على نبش جيوب الحركية الاجتماعية بهدف الإثارة قبل الابداع!
هل يعقل أن يقرأ المرء «فصلاً كاملاً» تتحدث فيه الروائية عن رغبة المرأة في الحصول على رخصة قيادة؟
وهل يعقل أيضاً أن نهاجم المجتمع الذي نعيش فيه بمعاول سياسية مفتعلة لأجل شهرة تومض ثم تنطفئ؟
لسنا ضد رمي الحجر في أي بركة مهما كانت راكدة، كما أننا لا نقف ضد التغيير ورفض صلادة القوانين الصارمة، ولكن كيف نبرر مثلاً أن تهرب امرأة من بلد عربي إلى أميركا ثم تكتب عن جرائم الشرف- وهي تحدث بالمناسبة- كتاباً يطفح بالأكاذيب، بحيث يرى القارئ الأميركي أن بلادها بالفعل تعيش مذبحة يومية، رغم أن هذه الحوادث قد تحدث متفرقة، كما أنها تحدث في مجتمعات غربية وتحت مسميات شتى من أبشع ما يكون!
ومع ذلك لسنا ضد رواية متماسكة على الصعيد الفني تخوض في عصرنا مثلما خاضت رواية «غاتسبي» في عصر الجاز ومرحلة تحريم الخمور واللهاث وراء النجاح واللذة العابرة والحلم الأميركي ومظاهر التغيرات التي طرأت على حياة الفرد الأميركي بجماليات إبداعية ليست مفبركة. وهنا تحديداً نقف لكي نسأل عن وضع الروايات التي تناولت المجتمع العربي، ولماذا راحت تركز على تكرير مظالم المرأة؟ وماذا يحدث لها لو سحبت هذه الثيمة من المتن الروائي ونزعته الارضائية للغرب الذي يمسك الشرق من هذه اليد الموجوعة؟
نعترف بأن هناك يداً موجوعة، ولكن ما نستهجنه تماماً هو أن تقوم روائية ما ببناء سردي ترى فيه أن المنجز الروائي مجرد بيان لا يختلف عن البيانات التي يصدرها المتحدث باسم البيت الأبيض عن أوضاع حقوق المرأة والإنسان في بعض الدول «المارقة».
هل نريد رواية يمكن أن تتعرض لما نحياه ضمن سياق إبداعي لافت أم كتابة بيان غليظ يلهج بالشكوى وينسف العباءة فوق رؤوسنا فقط؟ ثمة روائيات عربيات يخلطن الآن ما بين الاستشراق والاستغراب في طبخة واحدة!
ثمة هدر وزعيق ميال لإصدار الأحكام النزقة، حتى إن القارئ ليحتار في السؤال عن الملمح الجمالي الغائر بين سطور هذه الثرثرة المزدحمة بالهفوات والأخطاء، إضافة إلى «المرجلة» على الرجال أنفسهم. وأخيرا ماذا سيكون حال بعض الروائيات العربيات لو أن السلطات باشرت بالسماح لهن بقيادة السيارات وترك الحجاب واستبعاد المحرم في «المولات»؟ وماذا سيكتبن حين تحترق هذه الأوراق بين أصابعهن؟
zeyad_alanani@yahoo.com |