آنا وينتور.. امـرأة «نووية»

آنا وينتور شخصية استثنائية في عالم الأزياء والإعلام المختص بالموضة.رويترز
           

يعدها البعض الشخصية الأهم في عالم الموضة والأزياء، بينما يراها البعض الآخر الموجّه الحقيقي لشكل الموضة وبوصلتها الرئيسة، الأمر الذي تحرص رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية آنا وينتور، على أن تحافظ عليه، من خلال عملها على واحدة من أهم مجلات الموضة العالمية، محوّلة بطبعة واحدة نجاح مصمم إلى خسارة، وفشل آخر إلى موهبة صاعدة، باعتبارها المدعو الأهم على لائحة عروض الأزياء التي تبدأ بمجرد وصولها، بينما تعاد جدولة أسابيع أزياء بحسب انشغالاتها وما يناسبها، مشتهرة بقصة شعرها القصيرة ونظارتها الكبيرة، وشخصيتها التي لا تخلو من التسلّط، حتى انها عرفت على مستوى واسع بلقب «وينتور النووية».


ولدت آنا وينتور في لندن في الثالث من نوفمبر من عام 1949، وهي ابنة مدير تحرير جريدة الـ«تابلوي» البريطانية «إيفينينغ ستاندارد»، وربما يكون الأمر وراثيا، أو لمجرد أنها نشأت في بيئة صحافية كتلك التي عاشتها وينتور، إلا أنها ومع حبها وشغفها المبكر بالأزياء منذ مراهقتها، استطاعت أن تحتل منصب رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية منذ عام 1988، محوّلة إيّاها إلى مطبوعة في متناول العامة من مختلف الفئات، بعد أن كانت خاصة بالنخبة فقط.

 

عائلة
عدا والدها مدير تحرير جريدة «إيفينينغ ستاندارد»، كانت والدة وينتور، إليانور تيرغو بيكر، والملقبة بـ«نوني»، ابنة بروفيسور في القانون في جامعة هارفارد، والتي تزوجت من والد وينتور عام 1940، وطلقا في عام 1979، فسميت وينتور على اسم جدتها آنا غيلكيسون بيكر التي اشتهرت بكونها سيدة المجتمع من فيلادلفيا، بينما كانت زوجة والدها بعد طلاقه، هي أودري سلوتر التي عملت محررة في عدد من المجلات البريطانية مثل: «هوني»، و«بيتيكوت»، بينما كانت جدتها الكبرى فنانة القرن الـ18 الجميلة ليدي إليزابيث فوستر، بينما كان سير أوغوستوس فير فوستر البارون الرابع والأخير، في القرنين الـ19 والـ20، هو خالها الأكبر.       


لوينتور أربعة إخوة، هم، المدير التنفيذي لمجلس بوروف تشارلز وينتور، والنائبة العامة في الخدمات العامة الدولية في العاصمة السويسرية جنيف، نورا هيلاري وينتور، والمحرر السياسي لصحيفة الـ«غارديان» باتريك وينتور، بينما توفي أخوها الأكبر جيرالد جاكسون وينتور، وهو لايزال طفلا عام 1951 في حادث اصطدام سيارة، في رحلته اليومية إلى المدرسة على دراجته الهوائية.

 
ارتبطت وينتور بصداقات مع كبار مصممي الأزياء في العالم ومنهم كارل لاجرفيلد. 
 

تمرّد على الموضة
منذ طفولتها، أظهرت وينتور تمردا مبكرا على الموضة الجارية، وعلى كل ما هو سائد، حيث عرفت خلال دراستها في مدرسة «نورث لندن» بالتمرد على ملابس المدرسة الموحدة، وتقصيرها لتنانيرها وتغييرها لشيء بسيط في التصميم المعتاد، بينما قامت وهي لا تزال في الـ14 من عمرها بتغيير قصة شعرها إلى قَصة الـ«بوب» الشبيهة بالـ«كاري» القصير وبغرة قصيرة لم تغيّرها لغاية الآن لتتحول إلى بصمة خاصة بها، ومع بدء الشارع البريطاني في الانتباه إلى الموضة، ودخولها الأول إلى اهتمامات الأفراد، بدأ شغف وينتور بمتابعة أخبار الموضة، والشغف بها.


ولم يكن تمرّد وينتور المبكر مقتصرا على ذائقتها في ما يخص الأزياء فقط، بل الرجال أيضا، حيث بدأت، رغم صغر سنها، بمواعدة رجال معروفين وأكبر منها سناً، حيث دخلت وهي لاتزال في الـ15 من عمرها في علاقة قصيرة مع الكاتب البريطاني بيرس بول ريد الذي كان في الـ24 من عمره آنذاك، بينما بدأت بمواعدة كاتب أعمدة الشائعات نايجل ديمستر، وبدأت التردد باستمرار على النوادي الليلية اللندنية معه، حيث علق أحد أصدقائهم مازحا في أحد اللقاءات التي نشرت لاحقا، بأنهما «كانا على استعداد لحضور حفل افتتاح ظرف».

 
تمرّد ناجح
ومع اهتمامها المستمر بالأزياء، وتأثرها بأجواء الصحافة التي عزّزها والدها، خاصة من خلال طلبه آراءها والاستعانة بأفكارها في ما يخص تغطيات الصحيفة المتعلقة بالشباب في منتصف فترة الستينات في لندن، الأمر الذي عزّز بداخلها قوة الرأي والثقة الشديدة بالنفس، إضافة إلى تمرد المراهقة الذي جعلها تترك الدراسة وهي في الـ16 من عمرها، وذلك بعد عام من تدبير والدها وظيفة لها في متجر «بيبا»، حيث قررت عدم إكمال دراستها الجامعية.

 

بدلاً من الشكل الروتيني للدراسة، قررت وينتور الحصول على دورات في مجال الأزياء، في متجر «هارودز» الشهير في لندن، وتحت توصية والديها وإصرارهما، أخذت دروسا في الأزياء في مدرسة قريبة، إلا أنها وبعد فترة بسيطة تخلت عن الدراسة فيها، معتقدة أن «الأزياء لا تُدرس» مستمرة في توسيع دائرة علاقاتها بمواعدة رجال معروفين وأكبر سنا منها. دخلت وينتور عالم تحرير الأزياء في عام 1970 عند اندماج مجلة «هاربرز بازار»، مع مجلة «هاربرز آند كوين» الجديدة، والتي احتاجت دعما تحريريا، الأمر الذي وفرته وينتور.

 

كانت أولى إنجازاتها اكتشاف عارضة الأزياء أنابيل هودن، وهي زميلة دراسة قديمة، بينما استغلت علاقاتها في الحصول على مواقع تصوير مبتكرة وغير مسبوقة، بمساعدة مصور الأزياء الألماني ـ الأسترالي الشهير هيلمت نيوتن، وآخرين.

 
وينتور والنجم التلفزيوني دونالد ترامب.رويترز  

تنقل
تركت وينتور المجلة عام 1975 بعد خلاف دائم مع مديرة التحرير مين هوغ، لتنتقل إلى نيويورك مع صديقها الصحافي غير المتفرغ، والشهير بشخصيته المستهترة جون برادشو، وخلال سنتين من علاقتهما تنقلت وينتور بين المجلات الأميركية، مستقرة في إحداها، وفي تلك الفترة حصلت ولأول مرة في حياتها  على مساعدة شخصية، ومنذ تلك اللحظة عرف عنها  أنها مديرة صعبة المراس، إلا أنها قررت التوقف عن العمل لفترة وجيزة مع إغلاق المطبوعة، وانفصال أليم عن صديقها، لتتعرف لاحقا بالمنتج الموسيقي الفرنسي ميشيل استيبان لتعيش متنقلة بين باريس ونيويورك.

 

عملت وينتور عام 1981 في كل من مجلة «نيويورك» الشاملة الأسبوعية، ومجلة «هوم آند غاردن» الشهرية والمتعلقة بالحياة في ولاية بوسطن الأميركية. تعرفت مطلع الثمانينات وخلال عملها في مجلة «فوغ» إلى طبيب الأطفال النفسي دايفيد شافر الذي كان صديق طفولة قديماً، وقدم لها دعما عاطفيا قويا خلال فترة صعبة من حياتها المهنية، لينتهي بهما المطاف متزوجين عام 1984، لتحمل وينتور بطفلهما بعد فترة وجيزة من الزواج، وبعد فترة قصيرة من ولادتها ابنها تشارلي، احتلت منصب رئيسة تحرير «فوغ» البريطانية فانتقلت للعيش في لندن مقر عملها، وكانت دائمة التردد على نيويورك حيث يعمل زوجها.

 

استطاعت وينتور في فترة وجيزة أن تقلب المجلة رأسا على عقب، وصارت خلال فترة وجيزة صاحبة السيطرة  الكاملة على وكالة المجلة في نيويورك، معيدة الحياة والنجاح إليها، ما عزّز مكانتها وسمعتها بشكل كبير، لتشتهر لاحقا بقدرتها على توجيه الموضة وموجاتها، ودعمها للمصممين الجدد، وشخصيتها المنعزلة، والباردة، والآمرة، والتي جعلتها تحظى بلقب  «وينتور النووية» لتحظى على مدى سنوات عملها بالتحية والإعجاب، والنقد اللاذع من مصممي الأزياء، حيث تتهم في ايطاليا  باهتمامها بالأزياء الأميركية والفرنسية بشكل أكبر من الإيطالية، وتعتبر من خصوم جمعيات الرفق بالحيوان نظرا لإصررها  ارتداء الفرو الطبيعي، أو حتى لعدد من المشاهير الذين كانوا عرضة لانتقاداتها حيث  أمرت بأن تخفف مقدمة البرامج الأميركية أوبرا من وزنها، وأن تغير هيلاري كلينتون من طريقة اختيارها لملابسها التقليدية و«بزاتها الزرقاء» قبل الظهور على غلاف المجلة، منتقدة اعتماد كلينتون ارتداء الملابس الرجولية الشكل، للتأثير في الجماهير، وكسب ثقتهم.

 

«فوغ» الأميركية
ومع عملها محررة للأزياء في «فوغ» الأميركية، مستخدمة عارضات أزياء أقل شهرة، ومزجها بين قطع رخيصة وأخرى غالية الثمن، في مواقع تصوير خارجية مفتوحة، استطاعت أن تصير واحدة من أقوى الشخصيات وأكثرها سلطة في نيويورك،  حيث وصفتها الـ «غارديان» بـ«عمدة نيويورك غير الرسمي». 

 

حياة شخصية 
أنجبت وينتور طفلين، تشارلز الملقب بـ«تشارلي» وكاثرين الملقبة بـ«بي»، لكنها انفصلت عن زوجها في عام 1999، دون معرفة الأسباب، تصحو وينتور في السادسة من كل صباح للعب التنس، تتزين لاحقا، وتصل إلى مقر عملها في الثامنة صباحا، وعلى الرغم من شهرة حفلاتها الصاخبة والباذخة، إلا أنها لا توجد في أي منها أكثر من 20 دقيقة، حرصا منها على الذهاب إلى فراشها في الـ10 من كل ليلة، وعادة ما تغلق وينتور هاتفها المتحرك عند تناولها وجبة الغداء الغنية بالبروتينات.

 

وفسر البعض ارتداءها النظارات الشمسية بطريقة ساخرة، عاكسين بذلك برودها الشديد وقوة شخصيتها الآمرة، قائلين، إنها «تخفي خلف النظارات عينيها الشيطانيتين المشعتين»، إلا أن كاتب السير الذاتية جيري أوبنهيمر علق على أن ارتداءها للنظارات، حتى في الأماكن المغلقة الداخلية، هو بسبب قلقها من إجهاد عينيها، وخوفها من أن ترث ضـعف البصر من والدها.  

 

«الشيطان يلبس برادا»
تجمع غالبية قراء رواية «الشيطان يلبس برادا» على أن شخصية ميراندا بريسلي في الرواية، أو الفيلم، والتي قامت بتجسيدها الممثلة الأميركية ميريل ستريب، مقتبسة في الواقع من حياة وينتور وشخصيتها، وهي الرواية التي كتبتها مساعدة وينتور الشخصية السابقة، لورين ويزبيرغ، حيث أظهرتها رئيسة تحرير مستبدة، وبريطانية شبيهة في شخصيتها بشخصية وينتور، على الرغم من إنكار ويزبيرغ هذا الاقتباس. وعلى الرغم من تصريحات وينتور بعدم اهتمامها بالفيلم أو بالرواية، إلا أنها منعت الكثير من المصممين بالاشتراك في الفيلم، مهددة إياهم بعدم الترويج لهم في مجلتها، بينما ارتدت في حفل افتتاح الفيلم، طقما كاملا من ماركة «برادا».     

 

 

تويتر