عمل الخير عادة

ورد في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الخير عادة والشر لجاجة»، وقد يتساءل المرء: كيف يكون الخير عادة؟ ولو تأمل لأدرك أن ذلك يكون بالتعوّد والتمرن ومجاهدة النفس حتى يكون فعل الخير عادة للمرء أو يصير طبعاً ثانياً له، فلا يقدر على تركه وإن أرادت الأمّـارة بالسوء منعه فإنها تغالَب حتى تُغلب؛ لأن العادة تحكم المرء فيصير أسيراً لها، ومن ذا الذي لا يريد أن يكون خيّراً في الدنيا ليكون خيّراً في الآخرة؟

فإن «أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة»، إنه لا يأبى ذلك أحد من عقلاء البشر، ولكن كثيراً من الناس لا يهتدون إلى التعود عليه فيرونه ثقيلاً، لأن الجنة «حفت بالمكاره»، والتعود على فعل الخير يسير لمن يسّر الله تعالى له ذلك، فإنه لا يحتاج إلى أكثر من تأمل حال الحياة الدنيا السريعة الزوال القليلة الظلال، وأنها يمكن أن تكون حقلاً طيباً يخرج نباته بإذن ربه، سرعان ما يجني ثماره في الدنيا بالاستقامة والآخرة بعدم حصول الندامة، فإنها ممر يوصل إلى مقر، صورّه الله تعالى بقوله: }مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِللاهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ{ ]الرعد/35[

فلمن تكون هذه الجنة، وهي في اللغة البستان إلا لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، ووصل الأرحام، وقام بالليل والناس نيام، فهذا هو الذي يدخل الجنة بسلام كما صح من حديث أبي هريرة يرفعه، وورد من حديث أبي مالك الأشعري أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن في الجنة لغرفة، قد يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام». وكل هذه الخلال إنما يكتسبها المرء بالتعود على فعل الخير فمن ألف أن يطعم المسكين ولو بقليل يقيم أوده، أو يقري الضيف ولو بميسور ما ملكت يده، ولم يبخل عليه بشيء يقدر عليه، ومن غالب نفسه على قيام الليل بما تيسّـر له ولو بوتر قبل الفجر أو قبل النوم، ومن أحسن القول مع من يعرف ومن لا يعرف ليسمع كلاماً يسرّه، ومن بسط محياه لغيره ليبسط الناس له محياهم، ومن راغم نفسه ليصوم الأيام البيض أو الإثنين والخميس سياحة في سبيل الله وتذكراً لنعمة الله تعالى، كل هؤلاء يزرعون صالحاً ويحصدون نعيماً مقيماً، وليس بمقدور أحد أن يحصد ذلك الحصاد النافع إلا من بذر هذا البذر الطيب، حتى غدا الخير له عادة، وقد قيل:

غَداً تُوَفّى النُفوسُ ما كَسَبَت       وَيَحصُدُ الزارِعونَ ما زَرَعوا

إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم         وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا

فلماذا إذا لا يسعى كل إنسان ليكون من أهل الخير بالتعوّد عليه، حتى ينال ذلك الأجر الجزيل والنعيم المقيم، لاسيما وربه يندبه أن يكون من أهل هذا النعيم عن طريق فعل الخير الذي لا يتحقق فيه حتى يتعوّد عليه.

* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

تويتر