البطولة.. والخيانة

حمدان الشاعر

 

شهدت كولومبيا أخيراً حدثاً بارزاً تحدث عنه العالم أجمع، وُصف بأنه بطولة عظيمة أو أشبه بملحمة تاريخية تمكنت فيها قوات الجيش الكولومبي من تحرير 15 رهينة كانوا محتجزين لدى قوات حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) لأكثر من ستة أعوام، حتى أن الرئيس الكولومبي شبّه عملية تحرير الرهائن هذه بأنها تصلح لأن تكون فيلماً سينمائياً رائعاً يمجّد بطولة الجيش الكولومبي في هذه العملية.

 

 ــ قوات «الفارك» اليسارية المسلحة تُلقي باللائمة بدورها على اثنين من مقاتليها اللذين خانا مبادئهما الثورية، مما تسبب في إطلاق سراح الرهائن.

 

 ــ العالم الغربي يشيد بعملية «التحرير» هذه التي لم تهرق فيها قطرة دم، وبالشجاعة التي تحلى بها أفراد الجيش الكولومبي.

 

 ــ لا ينتهي المشهد هنا بل يستمر في إثارة أكبر حين تتحدث إذاعة سويسرية ناطقة بالفرنسية عن أن العملية كلها لم تكن سوى «طبخة» متفق عليها بين الجانبين، وأن الخاطفين تقاضوا نحو 20 مليون دولار لقاء إطلاق سراح الرهائن، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة التي أُطلق سراح ثلاثة من مواطنيها كانت وراء الصفقة. وأن «إخراج» عملية تحرير الرهائن بهذه الطريقة تسمح للرئيس الكولومبي بـ«التمسك بخطه الذي يستبعد أي تفاوض مع المتمردين طالما لم يتم إطلاق سراح كل الرهائن»، كما أنها تحافظ في ذات الوقت على مصداقية المبادئ الثورية لدى حركة «الفارك».

 

 ــ لم يسدل الستار بعد، فثمة حقائق أخرى قد تُنبئ بها الأيام المقبلة التي قد تكون حبلى بأمور أشد غرابة وسخرية، ويظل الكذب والخداع سيدي الموقف، فالكل يعتاد الكذب حتى يصدقه، أو يخدع الآخرين حتى يصدقوه.

 

كثيرة هي الصفقات التي تبرم لأغراض دعائية أو سياسية، تختلط فيها حسابات متباينة، ويبقى المتلقي وحده فاغراً فاه في حيرة، أسير خبر وصورة تنقل له من دون أن يعرف مصدرها أو صحتها، فبمقدور الإعلام صنع بطولة من فراغ، كما أن باستطاعته خلق هزيمة من لا شيء، وتظل الحبكة هي الفيصل في القدرة على الإقناع. وفي وقت صار جل تعاملنا لا يتعدى ما يبث إلينا بطرق إعلامية شتى، فإن الحقيقة العارية التي ننشدها تغدو سراباً وحلماً بعيد المنال، يمتزج الصدق بالكذب والحقيقة بالخيال ثم تفوح رائحة المال التي تزكم الأنفس معلنة عن بطولة فارغة أو شراء ذمم رخيصة، أو مبادئ يتم بيعها لمن يدفع أكثر. 

 
 

hkshaer@dm.gov.ae
تويتر