باكـــو رابان.. ابن الموضة الشقي

تصاميمه أدهشت العالم وتزامنت مع التغيرات الاقتصادية والثقافية في ستينات القرن الماضي."أ.ف.ب"

عرف المصمم الإسباني باكو رابان بـ «ابن الموضة الشقي» في ستينات القرن الماضي، وصاحب الريادة في إدخال مواد صناعية غير مسبوقة إلى عالم الأزياء، وهو مبتكر الفستان البلاستيكي، والورقي المباع في أظرف، ويُعد أشهر من عاش جنون الستينات، محولا ثورتها نحو الحرية إلى غزو للغرابة على مشهد الأزياء، وبين طفولة عاشها في مشاغل المصمم كريستوبال بالمين، وشباب في تصميم الإكسسوارات ودراسة الهندسة، وشغف بـ«الماورائيات»، تحول رابان إلى أحد رواد صناعة الأزياء العالمية، ومن أبرز المبتكرين فيها.


ولد فرانسيسكو دي رابان دا كويرفو في مدينة سان سباستيان في إسبانيا عام 1934، و جاء اسم باكو، اختصارا لاسمه الذي اعتاد من حوله مناداته به، وبين ما يترعرع عليه المرء، والموهبة الشخصية والأخرى الموروثة، عاش رابان طفولته في عالم من الألوان والخامات والفساتين، حيث كانت والدته كبيرة الخياطات في مشغل مصمم الأزياء الاسباني العالمي كريستوبال بالنشياغا.


درس رابان الهندسة في مدرسة الفنون الجميلة في باريس عام 1952، وهي الفترة التي احتك فيها بالكثير من الأدباء والفنانين، الأمر الذي كان له أثره الكبير في تعزيز التأثير الإبداعي والفني لطفولته، بينما دعم ومول فترة دراسته الأكاديمية من خلال تقديمه مساهمات إبداعية في مجال تصميم الإكسسوارات، والأزرار التي عرفت بجرأتها مستفيداً من مادة البلاستيك وكان يبيعها لدور أزياء مثل، بالنشياغا، ديور، وجيفنشي، ومع تخرجه عام 1964، قرر رابان أن تتوقف علاقته بالهندسة، ليبدأ حياته المهنية ملبياً شغف طفولته وشبابه بالأزياء، وفي عام 1965 قدّم ابتكاره الأول من خلال عرضه لمجموعة من 12 تصميما معاصرا، وهي المجموعة التي أسماها «ذي أنويرابلز» (أي ما لا يلبس)، والتي شملت فستانه البلاستيكي الشهير. 

 

جنون مصمم 
ومع التحولات التي شهدها ونمو حركات التحرر وميل الناس نحو كل ما هو جديد وغريب، كان من الطبيعي أن يحقق رابان نجاحه الخاص، خصوصاً انه سيد التصاميم المجنونة والفريدة.


ففي عام 1966 افتتح رابان متجره الخاص، وهو لا يزال في الـ32، لينال نجاًحا كبيراً في فترة بسيطة من دخوله لعالم الأزياء، ونال تقديرا عالميا على ابتكاراته المختلفة، وتوظيفه لمادتي  البلاستيك والمعدن كعنصرين أساسين في مجموعاته، إضافة إلى فساتينه المكونة من أقراص بلاستيكية، ونظارات كبيرة واقية من الشمس، إضافة إلى فساتينه المصنوعة من رقائق بلاستيكية متصلة مع بعضها بعضا بسلاسل معدنية، وهي الابتكارات التي سرقت الأضواء خلال عروض الأزياء الباريسية. وبطبيعة الحال، ومع جنون أفكاره التي رافقت جنون الفترة التي انطلق خلالها، تحول رابان إلى مصمم تحت طلب مكثف، خصوصاً لتصميم ملابس الافلام، والمسرح، وعروض الباليه الموسيقية.


ومع ميزة الاختلاف التي حرص عليها كصفة لازمته طوال مشواره، استطاع رابان أن يقدم شكلا جديدا للجمال في عروضه، حيث كان أول من استخدم عارضات سمر البشرة، وهو الذي اعتبر في تلك الفترة من الزمان تصرفاً غير مقبول وشائناً، وهو الأمر الذي حوله مع الزمن الى أحد المهتمين والرواد في تغيير النظرة العنصرية في العالم.

 

جميع هذه التفاصيل جعلت اسمه وأفكاره مادة دائمة في أهم الصحف والمجلات العالمية المختصة بالازياء، ومما كُتب عن أحد عروضه الباريسية «هي مجموعة من 12 فستانا تجريبيا وغير ملبوس، باستخدام مواد معاصرة، هي مجموعة بعنوان يبدو أقرب إلى البيان الرسمي، مربعات بلاستيكية، معدن، حلي معلقة، وخامات ملابس الجيش، وعارضات أزياء سمر البشرة يرقصن على إيقاع الموسيقي الشهير بيير بوليز، لتتلاحق المجموعات واحدة تلو الأخرى، مع خامات من الجلد، والمعدن، وخامات مالت إلى الانسيابية والمرونة»، إلا أن جنون رابان لم يتوقف عند هذا الحد، حيث وصلت غرابة ابتكاره إلى أن يصمم فساتين ورقية.

 

«ماورائيات»
بالإضافة إلى كونه نباتيا، عرف رابان في حياته الشخصية بشغفه وميله الشديد لعالم الماورائيات ومجالاته العديدة والمختلفة، حيث صرح في إحدى المقابلات، بأنه اعتبر تجربته خارقة للطبيعة حين كان في السابعة من عمره، وهي التجربة التي استمر تأثيرها بقية حياته، ليعرف باهتمامه بالطرق الصوفية، وعلم التنجيم، وكان دائم الحديث عن الطاقة، وتجربة الخروج من الجسد، والتواصل الروحاني مع الخالق.

 

لم تتوقف اهتماماته الشخصية بالماورائيات عند الحد الشخصي في حياته، حيث كتب رابان كتابه «جورني» أو رحلة، وهو الكتاب الذي قدم من خلاله وصفا وشرحا حول رحلته وبحثه في المجالات الروحانية، ذاكرا كيف استطاع الاستفادة من تجربته الروحانية الفريدة، عبر ابتكاراته في تصميم الأزياء ليلحقه بكتابين آخرين، كما اشتهر بتنبؤه الخاطئ بسقوط المكوك الفضائي الروسي «مير» في باريس عام 1999، وهو التصريح الذي أسمته الصحافة ساخرة الـ «باكوليبسي».



تصاميم ومشاهير
قدم رابان الكثير في مجال تصميم ازياء الافلام السينمائية وصار اسمه اساسيا في نتاجات هوليوود ومن اعماله زي الممثلة الأميركية جين فوندا في فيلم الخيال العلمي الشهير «بارباريلا» عام 1968، كما صمم لإليزابيث تايلور، وأودري هيبورن، وبريجيت باردو، وفرانسوا هاردي، كما أنه أسهم في التصميم لنحو 35 فيلما سينمائيا.

 

ابتكر رابان عام 1970، ملابس غير حقيقية وما عرف بالمواد الشبيهة أو قماش الـ «سويد» المزغب، وارتكزت الكثير من مجموعاته على الشرائط الحريرية، والريش،  أضفى عليها ذلك التأثير الناعم والمرن، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في ابتكار تصاميم حملت بصمته المعتادة لتحويل مواد قاسية ومعاصرة وصناعية إلى فساتين، لكن وفي أواخر السبعينات خف انبهار المهتمين بالموضة بتقليعاته التي كانت في الغالب غير قابلة للارتداء، ورغم ذلك لم يتوقف عن استخدام الخامات الصناعية الغريبة، مثل الأوراق المجعدة، ورقائق من الألمونيوم، وقماش القطن الخشن الذي تصنع من المناشف، ومادة البلاستيك القاسية، والجلد، وريش النعام، وشرائط من قماش التنجيد لينال عام 1989، على جائزة «الكشتبان الذهبي» العالمية، وهي التي نالها في الدورة الأولى للمهرجان الدولي للأزياء.

 

وفي العام 1990، قرر رابان أن يعيد تصميم دار أزيائه في باريس، وهي المهمة التي تم تسليمها للمهندس المعماري إريك رافي، والذي تأسست فكرته على ثلاث مؤثرات رئيسة، وهي المعدن، والزجاج، والضوء، الأمر الذي قد يكون بداية لقراره في تغيير خطه في الأزياء من تلك الغريبة المستخدمة لمواد غير قابلة للارتداء العملي، إلى مظهر أكثر نعومة، مبتعداً عن المواد المعدنية والبلاستيكية فقط، ومتمسكاً ببقية المواد التي اعتاد الاعتماد عليها، مقدماً بذلك تصاميم أكثر نعومة، معتمداً على خامات صناعية مثل خامات الجلد الصناعي «سوفرينا»، و«أماريتا».  

 

اعتزال


في عام 1999، قدم رابان مجموعته الأخيرة قبل أن يتقاعد وتسلمت المصممة أوريلين تريمبلاي، وكريستوف ديكامين خط الملابس الجاهزة لدار رابان، بينما تسلم المصمم أوليفير ديبياس خط أزيائه باكو، بينما ابتاعت الشركة الممولة الإسبانية بويغ الدار عام 2000، وهي المناسبة التي أُقيم لصاحبها معرض كبير لأعماله على مدى عقود عطائه، في معرض كارلا سوزاني في مدينة ميلان الإيطالية على مدى شهري سبتمبر ونوفمبر من عام .2002 

 

معرض فني 

 
أطلق رابان بعد اعتزاله بسنوات، وتحديدا عام 2005 معرضه الفني الأول في العاصمة الروسية موسكو، كاشفا للعالم شغفه وميله إلى الرسم، حيث شرح في أحد تصريحاته السبب وراء إقدامه على هذه الخطوة قائلا « إنني في الـ 72 من عمري، وكل ما أردته هو أن أعرض رسوماتي وأعمالي على العالم، قبل أن أختفي عن هذا الكوكب، لم أقم يوما بعرض رسوماتي على أحد قبل الآن، سوى، سالفادور دالي قبل 30 عاما، والذي أوصاني بالاستمرار في الرسم».

 

و تضمن معرضه، رسما غرافيتيا بالأبيض والأسود، يصور طفلا يتخلى عن بالون أبيض وحمامة بيضاء تطيران في السماء، وهو المشهد الذي استوحاه رابان، من حفل إحياء ذكرى هجمة بيسلان في روسيا، التي قتل فيها 319 رهينة، من ضمنهم 186 طفلا، و12 جنديا، و31 من خاطفي الرهائن، وقد أراد أن يذهب ريع الرسم إلى نساء وعائلات الضحايا في بيسلان، وأوضح رابان، أنه أراد أن يقيم معرضه في روسيا، كونه يحمل علاقة خاصة جدا بروسيا، بدأت حكايتها منذ زيارته الأولى لها عام 1950، حين التقى القائد السوفييتي ستالين، واصفا إياه بصاحب «الشخصية المغناطيسية».

 

تويتر