«ايـروان» يحتفي ببلاغـة الصمت

مشهد من «إيروان»        «مهرجان وهران السينمائي» 

يثير فيلم «ايروان» الجزائري قضايا عدة من خلال قصة حب، إذ تتوالد القصص من ثنايا القصة الرئيسة التي تحكي الكثير من خلال بلاغة الصورة والصمت والإشارة. ونجح مخرج الفيلم إبراهيم تساكي في تقديم متعة بصرية بلغة سينمائية عالية، معتمداً الصحراء فضاء جغرافياً ونفسياً، وفي الوقت نفسه تغدو الصحراء فضاءً لتأويل مفتوح وتأمل عميق، تشفي وتحقق السلام الداخلي للإنسان. 

 

الفيلم الذي عرض في الدورة الثانية لمهرجان وهران للفيلم العربي، التي اختتمت مساء امس الخميس، يثير قضية العلاقة غير المتوازنة  بين الشمال والجنوب، وقضية الهوية، وقضية التلوث. ويقدم الفيلم الصحراء باعتبارها كائناً حياً، وهي احد أبطال الفيلم الى جانب الموسيقى والممثلين الرئيسين.

 

 عاشقان من الطوارق يحول دون زواجهما، الكشف عن انهما أخوان بالرضاعة، لتنمو في الجهة الأخرى قصة حب بين طارقي وفتاة أوروبية. وفي الوقت ذاته تتوالد الحكاية، وتتفرع كاشفة عن أبعاد متعددة.

 

ويشير الفيلم الذي أنتج ضمن احتفالية الجزائر عاصمة للثقافة العربية، العام 2007 الى ان دول الشمال لا تقدم «هبات» الى الجنوب، إنما ثمة ثمن عالٍ يدفعه الجنوب مقابل «خدمة» بسيطة يقدمها الشمال. ويروي الفيلم قصة المساعدة التي يقدمها الشمال من اجل البحث عن الماء في الصحراء. وقد اختار الماء لدلالته الرئيسة في الحياة، وكررت مينة في الفيلم عبارة «نحن في حاجة إلى الآخرين» أكثر من مرة، ومن جانب آخر كان «الجبل الملعون» إشارة رمزية الى ما يفعله الغرب في الدول الفقيرة.

 

ويصبح ثمن الماء غالياً، إذ يقوم الشمال بتحويل الصحراء الجميلة الى حاوية للنفايات النووية. وبذلك يشير الفيلم الى ما ارتكبته فرنسا اثناء استعمارها الجزائر، عندما قامت بتجارب نووية في منطقة رقان في الصحراء، التي تضم اكبر متحف طبيعي في الهواء الطلق يعود الى نحو 5000 سنة. كما نقلت دول الشمال الكثير من مصانعها التي تتسبب بتلوث ضخم الى عدد من دول الجنوب، ليبقى الشمال نظيفاً بينما يموت الجنوب. وتتعدد جوانب التلوث لتشمل تسميم الهوية، وقتل الطبيعة، إذ يصبح الماء الذي اكتشفه الأوروبي في الفيلم، مصدراً للموت نتيجة تسممه بنفايات نووية، مع انه من المفترض ان يكون ماء الحياة، لا الموت. 

 

«ايروان» وهو أول فيلم باللهجة الطارقية، يعني عنوانه «يحكى أن». وكان الممثلون الرئيسون تعلموا الطارقية، وعايشوا أهل الصحراء، لأكثر من شهر قبل البدء بتصوير الفيلم الذي جاء في 84 دقيقة. بطل الفيلم «امياس» الذي يؤديه الممثل الجزائري ابن مدينة وهران، أمين عيدوني، المقيم في لندن، يقع في دوامة القلق، ويعيش حالة تشويش، بعدما تزوج من الفتاة الاوروبية، كلود، التي تقول عنه في الفيلم إن حضوره معها «جسدي» فقط، بينما «روحه في الصحراء».

 

وفي النهاية يمرض امياس بسبب الماء الملوث، ويموت بعيداً عن صحرائه، لكنه يترك رسالة الى عاشقته الطارقية.  المخرج إبراهيم تساكي الذي ينتمي ولداه الى الثقافتين العربية والفرنسية، يقدم في الفيلم لغة سينمائية بليغة تحتفي بجماليات عالية، تبتعد عن الثرثرة، وتقترب من الحكمة، إذ يشع الصمت بدلالات متعددة. وهو في هذا الفيلم، كما في أفلامه السابقة، يقاطع الهذر، ويتيح للتأمل فضاءً مفتوحاً، يتناسب مع الإيقاعات البعيدة عن الصخب.


 فيلم «ايروان» من إنتاج جزائري، وموسيقى صافي تلة وتمثيل فريد قاسمي وأمين ادريس عيدوني وياسمين المصري ومود ميرس وبومدين بلعصري وجانت لاشمات تيبو.

تويتر