«السامريون».. حكاية من فلسطـــــــــين

 الكاهن حسني واصف السامري يؤدي أحد الطقوس الخاصة بهذه الطائفة.     من المصدر «مهند صلاحات»

 

 انتهى فريق عمل الفيلم الوثائقي  «السامريون.. إسرائيل في أرض كنعان» من تصوير مشاهد العمل في مدينة نابلس المحتلة التي تعد موطن السامريين منذ 3650 عاماً، وهو من إخراج الهولندي هافال أمين، وقال معدّ المادة البحثية للفيلم الكاتب الفلسطيني مهند صلاحات، إن هذا الفيلم يوضح الخلط الدائم في الإعلام العربي حول هذه الطائفة، «الجميع  يعتقدون أن السامريين يهود، وهذا اعتقاد خاطئ، وهم انفسهم يرفضون وصفهم باليهود، معتبرين أنهم (إسرائيليون) بالمفهوم الديني، وليس السياسي، لكونهم السلالة الحقيقية لشعب بني إسرائيل»، وأوضح صلاحات                   لـ«الإمارات اليوم» أن «السامريين كشعب يعتبرون أنفسهم أيضاً أقدم طائفة دينية موجودة في العالم من اتباع الديانات السماوية، ومنذ دخولهم الأراضي الكنعانية يعيشون بشكل منفصل عن اليهود، فاليهودي بالنسبة إلى السامري هو منشق عن الدين»، وأضاف «يبدو أن هذا الخلط بطبيعة الحال ارتبط بالحدث السياسي، ففي البعد الديني هنالك فرق كبير بين اليهودي والإسرائيلي، فالانقسام بين اليهود وطائفة السامريين حدث بعد 200 عام من دخول بني إسرائيل إلى فلسطين، بينما في البعد السياسي، كان لإقامة دولة إسرائيل الحديثة بعد احتلال فلسطين عام 1948 دور في تقسيم اليهود أنفسهم في العالم ما بين يهودي وإسرائيلي سياسياً، حيث يطلق على كل يهودي يعيش في إسرائيل (إسرائيلي) ارتباطاً بالمكان، لتمييزه عن اليهودي الرافض قيام دولة إسرائيل، وضمن هذا الجدل السياسي بين اليهود أنفسهم صار اللبس في ديانة الطائفة السامرية».

 

3 قصص
 يركز الفيلم على تقديم حكاية من فلسطين، عبر ثلاث قصص من واقع الحياة السامرية، وحسب مؤلف المسلسل الكوميدي (براويز) «فالقصص تسير في ثلاثة خطوط درامية منفصلة لثلاثة أفراد من الطائفة في إطار حياتهم اليومية، وتبرز من خلال هذه الشخصيات المختلفة الحياة بكل جوانبها السياسية والاجتماعية والدينية والتاريخية للطائفة»، موضحاً أن «أولى هذه القصص تبدأ مع الشابة العشرينية (بدوية السامري)، التي تعمل في وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، وهي أمٌّ لثلاثة أطفال، ويرصد الفيلم حياتها اليومية من خلال علاقتها كأمٍّ سامرية بأبنائها، وزوجها»،وأضاف «ينتقل الفيلم معها الى حياتها العملية وطبيعة اندماجها كفلسطينية سامرية في وسط فلسطيني آخر معظمه من المسلمين والمسيحيين»، وأوضح أن الفيلم يركز على علاقتها بجبل جرزين، ونظرتها للمدينة، وصولاً لطبيعتها الدينية وعلاقتها بالكاهن، الى جانب التركيز على جانب تعده بدوية الأكثر تأثيراً في حياتها، أو اصعب تجربة مرت بها حين انجبت طفليها التوأم بعد الشهر السابع من الحمل، وكان وزن كل واحد منهما كيلوغراماً واحداً فقط؛ ما اضطرها لإبقائهما في حاضنة بأحد المستشفيات الإسرائيلية، فالأمر الصعب في الموضوع أنها كانت تضطر في كل يوم للسفر لرؤية أطفالها من نابلس إلى المستشفى، في رحلة كانت تستغرق أكثر من 12 ساعة يومياً لمسافة لا تزيد على 150 كيلومتراً»


حياة ضياء

المحور الثاني في الفيلم، كما قال صلاحات، يستعرض حياة ضياء، الشاب السامري (31 عامًا) الذي يقيم أيضاً على جبل الطور في بيت مستقل عن أهله، لكنه قريب منهم لأن العادات والتقاليد التي تحكم السامريين لا تجعل السامري قادراً على أن يعيش بعيداً عن الطائفة»، وقصة ضياء تلخص حياته «قبل انتفاضة الأقصى الأخيرة التي بدأت في سبتمبر 2001، حيث كان يعمل بالتجارة في مدينة نابلس، لكن مع الظروف الجديدة التي طرأت على المدينة، ومنها الحصار الجائر الذي تضررت منه جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، خصوصاً انهم تعرّضوا لحصار حدّد أوقات دخولهم وخروجهم في اوقات محددة أضرّت بأعمالهم وتجارتهم وحياتهم الخاصة».


ومن ضمن ما يقدم عن حياة ضياء عرض أرشيف لحياته من عيد الفصح وسط ساحة المذبح في جبل جرزين، وهو يردد على مسامع بعض الزوّار مقاطع من الموسيقى الخاصة بالدين السامري باللغة العبرية القديمة، من دون أن يحمل بيديه أي آلة موسيقية: «كي افشام شيما اقرا» وتعني باللغة العربية (ان باسم الله مناداتي)، ويضيف صلاحات «يتحدث ضياء عن الموسيقى السامرية التي هي مجرد إيقاعات صوتية تخرج من الحنجرة لها قافية مميّزة يتم ترديدها على وتيرة قياسية يتعلمها أفراد الطائفة منذ نعومة أظافرهم، إضافة الى مقطوعات موسيقية تختلف باختلاف الأوقات، فلكل سبت موسيقاه الخاصة، حيث إن السامريين في كل يوم سبت بعد الصلاة يقرأون جزءاً من التوراة بنغمات موسيقية مختلفة تتناسب مع موقع هذا اليوم من أيام السنة».


أما المحور الثالث في الفيلم، فيوضح تفاصيل طقوسهم الدينية التي يشرحها  الكاهن حسني واصف السامري الذي يدير متحفاً جمع فيه التراث السامري، ويتحدث عن أصول الطائفة، ولغتها، ومعتقداتها، والتوراة التي بين يديها، وأصول الشقاق والنزاع مع اليهود وأصل هذا الشقاق، ويصاحب حديث الكاهن عرضاً مصوّراً لفلكلور الطائفة، ومناطقها الأثرية التي سينتقل الكاهن من منطقة لأخرى حسب الحادثة التي يتحدث عنها».


السلام الشامل

وعن الهدف الذي يسعى إليه الفيلم، قال صلاحات «يؤكد العمل أن السلام يجب أن يعمَّ ويشمل جميع الشعوب، وأن يتجسّد على أرض الواقع، إضافة الى الحكايات الإنسانية المستمدة من صلب الواقع، لقصص حقيقية مستمرة، حيث نعيش حدثاً مؤثراً مع أولئك الذين تنتج حياتهم اليومية حدثاً مؤثراً على الصعد كافة، تتقاطع فيها الظروف العامة والخاصة والحرب والحب والأمل بمستقبل يعمه الأمل بالسلام»   علا الشيخ  ادبي   

 

جزء من النسيج الفلسطيني

يعتبر السامريون جزءاً من النسيج الاجتماعي الفلسطيني؛ فقد خصص الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للطائفة السامرية مقعداً في المجلس التشريعي الفلسطيني، ظلّ لغاية الانتخابات التشريعية الأخيرة في 15 من يناير 2006، حيث انتزع منهم هذا المقعد لأسباب عدة، كما شيد لهم المتحف الخاص بهم، واشتهر هذا المتحف السامري، الذي بناه عرفات قبل 12 عاماً، بكونه يحتوي على العديد من الآثار الإنسانية التي يتجاوز عمرها آلاف السنين، ويديره الكاهن والباحث حسني واصف السامري. في الفترة الأخيرة سمح لهم الجيش الإسرائيلي بالدخول والخروج من منطقتهم ضمن مواعيد زمنية يومية، لهذا السبب يجد السامريون صعوبة كبيرة في التنقل، وممارسة أنشطة الحياة اليومية المعتادة، يتحدث السامريون العربية، باعتبارهم عرباً فلسطينيين، ولهم صلاة فيها وضوء، وركوع، وسجود، ولديهم فريضة الزكاة، ويتعبّدون في كنيسة، وليس في كنيس يهودي، ويقدسون يوم السبت، ولا يجيزون العمل فيه بأي حال من الأحوال، ولم يعترف الاحتلال بهم إلا عام 1995 عندما منحهم الجنسية».

تويتر