صورة سمير القنطار


أتمنى لعميد الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية سمير القنطار، الحرية، بكل توقها وشغفها وضرورتها، وأرجو أن يكون خارج سجنه الطويل والمعتم في غضون الأيام القليلة المقبلة، بعد نجاح صفقة تبادل الأسرى بين «حزب الله» وإسرائيل، لتنتهي 29 عاماً من الأسر والاضطهاد، ويروي القنطار حقيقة ما حدث في 22 أبريل 1979، لئلا يظل في دائرة الإرهاب المُحكمة بقسوة على المقاومين العرب فقط. القنطار، المولود في لبنان العام 1962، تسلل في عملية مقاومة إلى إسرائيل قبل أن يكمل السابعة عشرة، وقتل شرطياً إسرائيلياً، واقتحم منزلاً، أثناء مطاردته مع اثنين من رفاقه، واختطفوا طفلة ووالدها.

 

 ووفقاً لرواية المحكمة الإسرائيلية، التي حكمت عليه بالسجن المؤبد خمس مرات، فقد قتل القنطار الطفلة ووالدها، قبل إلقاء القبض عليه من قبل الشرطة الإسرائيلية، التي كانت في حال تبادل لإطلاق النار مع المقاومين.  قضى القنطار مراهقته الأولى، وشبابه، وعقوداً من عمره، خلف القضبان، ويُمكن بسهولة أن نتخيل ظروف سجنه، وعذاباته الإنسانية في السجون النازية الإسرائيلية، بعيداً عن دور البطل والمقاوم، وما يرافقهما من صور خارقة للمألوف، من تلك التي نؤسسها في خيالنا الشعبي، لنزهو بها عوضاً عن ضعفنا وقلة حيلتنا. القنطار لم يكن أكثر من فتى، دفعته ظروف بالغة السوء إلى ترك مدرسته، ورفاقه، وأحلامه الأولى، ليخوض مواجهة يختلط فيها اليأس والبطولة مع عدو ارتكب أفظع الجرائم وأشدها بشاعة في لبنان وفلسطين.

 

ربما كان يسعى إلى التفوق في دروسه، والالتحاق بالجامعة، والزواج وإنجاب الأطفال، مثل سائر البشر، لو كان يعيش في بلاد لا يهددها الموت والمجازر، لمجرد أن العالم أكثر سوءاً من أن يناصر قضية شعب يموت يومياً، ويُسمى موتاه إرهابيين، وأحياؤه قتلة محتملين! القنطار، في عرف الإعلام الغربي، ليس أكثر من إرهابي، وقاتل أطفال، والرواية بتفاصيلها الإسرائيلية لا تقول أكثر من ذلك، والإعلام في أميركا وأوروبا يصدقها ويروجها، ويدافع عن شعب من الضحايا الناجين من المحرقة إلى موت متوقع في كل لحظة على يد فلسطيني أو لبناني. وما عدا ذلك فالإسرائيليون بشر مسالمون، لم يحتلوا أرضاً، ولم يهجّروا شعباً، ولم يقتلوا حتى قطة ضالة! لم يتساءل أحد لماذا يتوجه فتى إلى الموت، ويترك وراءه عائلة وحياة وأمنيات؟

 

ولم يكن أحد معنياً بالتحقيق في ما حدث في ذلك اليوم من العام 1979، والدفاع عن صورة مقاوم كان يهدف، مع رفيقيه، إلى الوصول لمستوطنة «نهاريا» الإسرائيلية، واختطاف جنود، لمبادلتهم مع أسرى لبنانيين في السجون الإسرائيلية، وليس قتل طفلة. لكنّ صورنا مُشوهة، وحياتنا كذلك.

 

أقتبس من سمير مقطعاً من روايته لما حدث يوم اعتقاله «لقد صلبت عارياً على حائط، وبدأ جنود الاحتلال يتدربون فن القتال على جسدي، بقيت واقفاً تحت الشمس أياما وليالي. كانت يداي مقيدتين للأعلى، كنت أجلس أمام المحقق مكبل اليدين والقدمين، وكان يحرص على أن يطفئ سجائره في جسدي. بقيت في زنزانة طولها نصف متر وعرضها نصف متر، وسط الظلمة، لا أعلم متى يبدأ النهار ومتى ينتهي الليل.   
  baselraf@gmail.com

الأكثر مشاركة