ماذا حلَّ بالطبقة الوسطى؟

سلمان الدوسري

     
ظلَّت دول الخليج معتمدة طوال عقود مضت في أمنها الاجتماعي على طبقة وسطى عريضة شكلت صمام أمان للمجتمع المحلي، طبقة عريضة تضم كل الشرائح، طبقة ربطت وبقوة بين قاعدة المجتمع وقمته، وكانت حجر الزاوية للاقتصادات الخليجية. وما أن هبت علينا عاصفة الطفرة البترولية في عام 2002 حتى كانت الأمنيات، والتوقعات كذلك، أن تتسع قاعدة الطبقة الوسطى، ليس بدخول الأغنياء فيها بطبيعة الحال، لكن بتحول شريحة كبرى من الطبقة الفقيرة إلى الطبقة الوسطى، هكذا كانت هي التوقعات، غير أن المفاجأة كانت حاضرة بعدم استفادة المجتمع الخليجي بتعزيز قاعدته التي تشكل له استقراراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فزاد الأغنياء من غناهم، وزادت ثرواتهم أضعافاً مضاعفة (اللهم لا حسد)، أما الفقراء فاتسعت قاعدتهم، بدلاً من أن تتقلص، وبدلاً من أن تساعد الطفرة النفطية الطبقة الوسطى في زيادة معدلات دخلهم.. قضت عليها بطريقة غير متوقعة.

 

أعتقد جازماً بأن تضاعف ثروات الأغنياء كان على حساب الفقراء، ولا جدال أن التضخم وتأثيراته السلبية كان له دور رئيس، إلا أن الحكومات الخليجية ابتعدت عن إيجاد استراتيجية متوسطة المدى تضمن الاستفادة من عائدات النفط لتعزيز أهم الطبقات داخل المجتمع، فتحولت إيجابيات الطفرة لتصب، غالباً، في مصلحة الأغنياء الذين زادت ثرواتهم عبر استفادتهم من الفرص التي لم تتوقف يوماً خلال السنوات الست الماضية. الأمر الآخر عدم تعامل الحكومات مع الإسراف الاستهلاكي الناجم عن رغبة الطبقة الوسطى في مجاراة الطبقة الغنية لتأكيد مكانتها الاجتماعية، وهو ما تسبب في ضغوط مجتمعية على أفراد الطبقة الوسطى بحثاً عن الوصول إلى تأكيد أحقيتهم في الوصول إلى طبقتهم التي يختارونها، ولم يكن من طريق أمام كثير منهم سوى الاتجاه للاقتراض بشكل أثقل على كاهلهم، في ظل حيرة من السلطات المصرفية في اتخاذ تدابير تكبح جماح هذه الظاهرة.


علماء الاجتماع يقولون إن الطبقة الوسطى هي وليدة الدولة، لكن ما نراه أن الحكومات نفسها تعد شريكة في تآكل الطبقة الوسطى، باعتبار أن المرافق الاجتماعية والتعليمية والصحية لم تعد في مستوياتها السابقة، فبينما كانت المدارس الخاصة والعلاج في المستشفيات غير الحكومية موجهاً للطبقة الغنية فقط، تحّل الأمر، بسبب سوء هذه الخدمات أو تراجعها، ليشمل غالبية أبناء الطبقة الوسطى. التفتوا حولكم ولاحظوا، من هو ذلك الذي يتوجه إلى مستشفى حكومي للعلاج أو يدخل أبناءه مدارس حكومية؟ إنهم أبناء الفقراء، وليس في ذلك انتقاص من أحد، بقدر ما هو انتقاد لتردي الخدمات العامة ودورها في إنهاك إضافي للطبقة الوسطى.

 

الخوف كل الخوف من زيادة الهوة بين طبقات المجتمع الخليجي، فيما مجتمعات أخرى، كالمجتمع الهندي والصيني، الذين استفادوا من الطفرة الاقتصادية بتقليل طبقتهم الفقيرة بشكل يدعو للإعجاب، أما لدينا فلم نرَ إلا زيادة في تحقيقات معدلات الثراء بشكل غير مسبوق، كما يشير تقرير الثراء العالمي العام الماضي، فبلغ عدد الأثرياء في السعودية 101 ألف مليونير مقابل 90 ألفاً في 2006، وبلغ حجم ثرواتهم المجمعة 182 مليار دولار، وفي الإمارات زاد عدد المليونيرات الى 79 ألفاً مقابل 68 ألفاً خلال الفترة نفسها وبلغ حجم ثرواتهم 91 مليار دولار.. مرة أخرى اللهم لا حسد!!

 


ssalmand@gmail.com

تويتر