«عُمر حرب».. الريِّس الشيطان

تصوير: مصطفى قاسمي
  

تصنع مكاناً وتقنعنا بأنه العالم، من هنا يبدأ وينتهي، قوانينه هي المتسيّدة لكل شيء، ومَن يحكم ذاك العالم هو تصغير لحاكم أو شيطان، أو ما إلى هنالك مما يجعله صاحب الكلمة العليا، والممسك بخيوط كل شيء، وهناك بالتأكيد أتباع له، وهو بدوره يرسم حيواتهم ويستعبدهم وفق ما يراه مناسباً له، لا بل يحدد مصائرهم وأقدارهم لتصبّ جميعاً في رؤيته.


ضمن هذه المساحة يتحرك فيلم المخرج المصري خالد يوسف «الريس عمر حرب» الذي يعرض حالياً في دور العرض المحلية، وليجد في دار للقمار مكاناً حيوياً ليضعنا أمام شخصية استثنائية حمل الفيلم اسمها، وأقصد هنا طبعاً الريس عمر (خالد صالح) والذي له كما لا يخفى على أي متابع للسينما أي يكون الشيطان بشحمه ولحمه، أو أحد تجليات الشر، فهو بنظرة من عينه يردّ أربعة كلاب في طريقها لنهشه، كما يبدأ الفيلم مباشرة معه وهو يلقي مواعظه المتعلقة بصنعة «الديلر»، أي المشرف على طاولة القمار، ومبادئ هذا العمل التي يكون الريس عمر قاسياً ومباشراً وواضحاً فيها ما دام أمام مستجدين عليه أن يوظف أصحاب الكفاءة والموهبة منهم، فالكازينو مثل الدنيا «ندخلها عراة ونخرج منها عراة»، و«لباس الديلر مثل الكفن لا يحتوي على جيوب»، مع وصايا كثيرة تحرّم على العامل بهذه المهنة إقامة أية علاقة مع أحد من المقامرين، إضافة لتحمل المهانة وغير ذلك.

 

ضمن هؤلاء الطامحين لهذا العمل يكون خالد (هاني سلامة) والذي يكون الناجح الوحيد من بين 40 متقدماً، والذي بدوره نكتشف معه عوالم المقامرين وخصوصية كل واحد منهم، وما إلى هنالك من علاقات يتورط فيها، خصوصاً مع امرأتين (سمية الخشاب) و(غادة عبدالرازق)، بحيث يعيش معهما الحب والشهوة بسهولة وبمبادرة منهما وعلى شيء من الانغماس المباشر في لذات الجسد، الأولى تتحول إلى حبه الهارب كونها تنأى عنه لأن حياتها على شيء من المأساة إن تعلق الأمر بزوجها الذي تحبه والمصاب بسرطان المخ، بينما تلعب غادة عبدالرازق دور المرأة التي تخنقه بحبها والذي يبادلها إياه في امتثال للشهوة والمتعة فقط.

 
خالد ومنذ البداية يقع في غواية الريس عمر، بالألغاز المحاط به، ويضع نصب عينه أن يكون على شيء منه، مثل قدرته في لعبة الروليت واختياره دائماً الرقم الرابح، إذ يفصل آلة خاصة بهذه اللعبة يضعها في بيته ويتمرن عليها، ويتورط بعد ذلك في مجموعة من الصفقات مع اللاعبين في استجابة لتأمين مبالغ لكلا المرأتين، مضافاً إلى ذلك اجتيازه امتحان الذل الذي يتعرض له على يد أحد المقامرين الذي يصفعه ويهينه أمام الجميع، ويمتنع عن الإتيان برد فعل واحد عندما يطلب منه الريس عمر ألا يفعل، طبعاً هذا في البداية التي تكون بعد رفضه أن يتواطأ مع هذا المقامر، لكنه سرعان ما ينتقم ويخسر هذا الأخير كل أمواله ومن ثم يرسل له من يبرحونه ضرباً.

 
خالد يوسف ومحاولة البحث عن أسطورة

لن أسرد أكثر عن أحداث الفيلم، وأكتفي بما تقدم لإيضاح الحكاية التي يتصدى لتقديمها كاتب السيناريو هاني فوزي، إلا أن المؤكد أن هوليوودية الفيلم بادية بامتياز، فالسيناريو يلقي منذ البداية مجموعة من النقاط التي لها في النهاية أن تجتمع لتحقيق المفاجأة المرجوة، كما أن الإصرار على حكمة الريس عمر ووجهات نظره المتعلقة بالموهوبين، ومن يقفون فوق القانون الذي وضع أصلاً للفقراء والمساكين له أن يعيد الكثير من المقولات الهوليوودية الرنانة، وعلى هدي ما تقدم فإن إيقاع الفيلم الهادئ والتأملي، كان على شقاق تام مع الرهان على اللعبة التي سنكتشفها في النهاية، فالتصعيد الذي يأتي في النهاية عبر سلسلة من الاغتيالات بعد اكتشاف الريس لصفقات مشبوهة، لا يمنحنا شعوراً بأن في هذا عقدة العمل الدرامية، ولا أن خالد حقيقة في خطر.  

 

أضيف إلى ذلك نقاط التقاء كثيرة مع أفلام أميركية، يحضرني منها الآن «محامي الشيطان» وأن يكون الفيلم من أوله إلى آخره مساحة اختبار والأحداث التي شاهدناها ليست إلا تمثيلاً في تمثيل على خالد، أمر نعرفه جيداً في السينما الأميركية وفي أفلام لا عدّ لها ولا حصر، ثم إن الاعتماد على الأداء المميز للممثلين وإدارة أدائهم جاء بمثابة الرهان الأكبر للفيلم، ما دمنا حيال شخصية تتشكل أمامنا وتكتشف عالمها، وشخصية مكتملة نمضي خلفها لنعاود اكتشافها، فلا جديد عند أداء هاني سلامة وهو يتحرك ضمن مساحة أدواره المعروفة، لكن مع خالد صالح الأمر مختلف، وهو قادر دائماً على أن يدهشنا بقدرته على التنقل من دور إلى آخر باقتدار، فهو الشيطان والريس عمر باقتدار.

 

حاول الفيلم البحث عن أساطير لها أن تضفي بُعداً آخر لشخصية الريس عمر، وأن يكون خالد على شيء من آدم، مطروداً من العائلة والأصدقاء، وببعد واقعي لأن فلوسه حرام، وصولاً إلى مشهد لم أجد له تفسيراً يتمثل بمشاهد من فيلم ميل غيبسون «آلام المسيح» وعذابات الصلب، ومع التأكيد على حلمه المتكرر لإيصاد والده الباب في وجهه، كما لو أنه مطرود من الجنة. 

 

لا جديد في فيلم خالد يوسف له أن يوقع المشاهد في شباكه، وإن كان الرهان على الغواية، وتسيلد الريس عمر للعالم، وصياغته وفق قوانينه، فإن الفيلم كان أقرب إلى «الفانتازيا» المطعّمة بأبعاد دينية غير موظفة، ولا تمتلك القدرة لتتحول إلى مجاز عن واقع كان ملتصق به في «حين ميسرة»، محدثاً نقلة هذه المرة نحو صناعة فيلم لمجرد الفيلم، وعينه على استيفاء شروط تقنية لم تخن قدراته إلا في هنات قليلة مثل مشهد الريس عمر وهو يعزف على البيانو، ثم إن شيطنة الشخصية، أو كونها ربما قد باعت نفسها للشيطان، مثل فاوست أو دوريان غراي، ما عاد له أن يكون مدوياً ومدهشاً، رغم البناء الصحيح لشخصية الريس عمر وأصوله الأرستقراطية وغير ذلك من عتاد الغواية.
 
تويتر