لعبة السفارات

سلمان الدوسري

 

نفهم أن تحذر السفارات الغربية مواطنيها من عمل إرهابي محتمل، لكن ما لا يمكن فهمه والأمر غير المقبول، أن تصدر هذه التحذيرات مبهمة وعامة ودون أي تبرير وبعنجهية واضحة للعيان. ربما ليس على هذه السفارات أن تعلن في وسائل الإعلام عن الأسباب، لكن على الأقل يجب احترام الدول التي يقيم ويعمل فيها مئات الآلاف من مواطنيها! فما المانع مثلاً من التأكيد عند إصدار البيانات، أنه تم إبلاغ السلطات المختصة في هذه الدول، أو أنه جرى التنسيق معها بهذا الشأن، أما القذف هكذا بتحذيرات منفردة لها تأثيراتها السلبية المتعددة على كثير من القطاعات، فذلك أمر يفتح باب الغموض والتساؤل عن صدقية هذه البيانات غير المنطقية.

 

ولأننا تعودنا على مثل هذا الأمر غير المنطقي من قبل السفارات الغربية، كما نتعامل نحن مع البنغال! فإننا نأمل ألا تكون هذه البيانات لعبة غالية الثمن تلعبها هذه السفارات، ولنا في بيانات مماثلة أصدرتها السفارات الغربية، خصوصاً الأميركية والبريطانية، في السعودية خلال السنوات القليلة الماضية عبرة ودليل، فلم نجد صدقية لبيانات التحذير بمرور الوقت، بل حتى العمليات الإرهابية التي جرت، كانت تحدث في أوقات لم تخرج فيها أي تحذيرات، فعن أي معلومات استخبارية يتحدثون؟

 

أبناء المنطقة ليسوا سذجاً لكي تنطلي عليهم حكاية أن التحذيرات هذه ذات صدقية مائة بالمائة، فالتجارب السابقة أثبتت لنا أن بعضاً منها قد يكون صادقاً، والبعض الآخر، وهو الغالب، غير ذلك بتاتاً، وليس جديداً أن تسعى السفارات لتحقيق بعض من مبتغاها، فهذا جزء من عملها، بوسائل بعيدة كل البعد عن أعين المتابعين، مثل حالتنا هذه، ولن أفاجأ- شخصياً على الأقل- إذا كانت هذه التحذيرات لعبة يقصد بها تحقيق أهداف بعيدة كل البعد عما هو معلن، بسبب الطريقة الغامضة التي خرجت بها.

 

الغريب أن رفع درجة الخطر إلى «عال»، كما قالت السفارتان البريطانية والأميركية، لم يحدد المطلوب من مواطنيهم فعله، ها هم يذهبون يومياً إلى أعمالهم، وأطفالهم يتجهون للمدارس، بل وشاهدناهم خلال اليومين الماضيين يتجولون في الأسواق والأماكن العامة، إذن أين المستوى الـ«عال» من الخطر، إذا كان أبناء هذه الجنسيات أنفسهم لم يعترفوا به أساساً؟

 

لست في معرض التقليل من احتمالية حدوث أعمال إرهابية، فهذا أمر - للأسف- تحول إلى بعبع في جميع دول العالم، وليس هذا مكان الحديث عنه، لكن أن تصدر تحذيرات قوية، كتلك التي أصدرتها السفارتان الأميركية والبريطانية، دون أي توضيح للرأي العام ، فهذا أمر يسهم في زيادة الغضب الشعبي والسخط من السياسات الغربية، ولا أظن أن الولايات المتحدة وبريطانيا، تحديدا، في حاجة لزيادة مثل هذا الغضب بين أبناء الخليج، ببيانات تفقد من صدقيتهما يوماً بعد الآخر.

 

  

ssalmand@gmail.com
تويتر